للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثامن: ضلالات الإسماعيلية الضلالة الأولى: إشراكهم بالله عز وجل الشرك الأكبر وذلك باعتقادهم آلهة متعددة لها من التأثير والتدبير في الكون ما ثبت لله وحده وهم وإن لم ينطقوا بذلك صراحا ويظهروا به أمام الخلق إلا أن فلسفتهم وفكرهم يؤول إلى هذا الاعتقاد المخرج من الملة الإسلامية بل من الملل السماوية كلها ولذا اتفق نقلة المقالات – كما قال العلوي – عنهم من غير تردد على أنهم يعتقدون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من الحديث والزمان إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني واسم العلة السابق واسم المعلول التالي وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي (١).

إن هذا المعتقد لدى الإسماعيلية لم يكن جديدا أو مبتكرا من عندهم بل هو من الركام المتناثر الذي كان منتشرا قبل الإسلام لدى الأمم المختلفة ما بين فلسفات اليونان ومعتقدات المجوس وتحريفات اليهود والنصارى حيث لفق الإسماعيلية من هؤلاء وأولئك تصوراتهم المنحرفة المحرفة وسرقوا هذه التصورات والأفكار وأضافوا إليها ما هو أشد كفرا وإلحادا واعتبروها – مع ذلك – عقيدة ومنطلقا لهم ولذا يقارن أحد المؤلفين الذين ردوا عليهم وكشفوا باطنهم يقارن بينهم وبين مذهب المجوس ويقول إنه – أي مذهب الإسماعيلية – يضاهي مذهب المجوس من عدة وجوه:

الوجه الأول: أن الباطنية قالوا بالاثنينية كما قالت المجوس وعبروا عنها بالسابق والتالي كما عبر المجوس عن الاثنين بيزدان واهرمن.

الوجه الثاني أن الباطنية قالوا بقدم السابق وحدوث التالي كما قال المجوس بقدم يزدان وحدوث اهرمن.

الوجه الثالث: أن الباطنية أضافوا النقص إلى التالي كالمجوس أضافوا النقائص كلها إلى اهرمن.

الوجه الرابع: أن من مقولات الباطنية الاعتقاد بأن التالي معلول عن السابق ومتولد عنه كالمجوس فإنهم قالوا إن اهرمن حصل عن يزدان وتولد من فكرته.

الوجه الخامس: أن المجوس قالوا إن حدوث هذه التراكيب عن يزدان والباطنية قالوا إن حصولها عن السابق بوسائط ومن هنا يعلم مشابهة معتقد الإسماعيلية لمذهب المجوس بل يقول المؤلف: إن الباطنية أسوأ حالا منهم لأمرين:

الأمر الأول: أن المجوس لما أثبتوا يزدان إلها واعتقدوا إلهيته وصفوه بصفات الكمال من القدرة والعلم الحياة بينما الباطنية الإسماعيلية سلبوا عن إلههم جميع صفات الكمال. الأمر الثاني: إن الباطنية لم يقنعوا بسلب الصفات الإلهية عنه بل ضموا إليه جهالة أخرى فقالوا عنه: أنه قادر ولا قادر وعالم ولا عالم وموجود ولا موجود فخرجوا به عن جميع القضايا العقلية كما اعتقدوا خروجه ن حكم السلب والإيجاب معا وهذا فيه من فحش المقال والجهالة ما غطى على معتقد المجوس (٢).والاعتقاد بتعدد الآلهة فضلا ن كونه اعتقادا باطلا في ذاته فإنه يعتبر أمرا خطيرا له أثر كبير في الضمير البشري وفي الحياة الإنسانية كلها ولذا عني الإسلام عناية كبرى بتحرير أمر العقيدة الصحيحة خالية من جميع الشوائب والمؤثرات وحدد الصورة وعلاقة الخلق بها فتستقر عليها نظمهم وأوضاعهم وعلاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وآدابهم وأخلاقهم كذلك مما يمكن أن تستقر هذه الأمور كلها إلا أن تستقر حقيقة الألوهية وإلى جانب تحديد الصورة الصحيحة لعقيدة الألوهية لم يغفل الإسلام الرد على جميع الانحرافات والأخطاء التي وقعت فيها الديانات المحرفة والفلسفات الخابطة في الظلام – سواء ما كان منها قبل الإسلام وما وجد بعده كذلك حول عقيدة الألوهية (٣).


(١) ((الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام)) (ص: ٣٨).
(٢) ((الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام)) (ص: ٤٤ - ٤٥).
(٣) انظر ((خصائص التصور الإسلامي)) لسيد قطب (ص: ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>