[الفصل التاسع عشر: الشطحات الصوفية]
فسر أبو نصر السراج الطوسي الشطح الصوفي بأنه (عبارة مستغرقة في وصف وجد فاض بقوته، وهاج بشدة غليانه وغلبته) (اللمع ص٤٥٣)، وقد لجأ المتصوفة إلى هذا التعريف لتبرير الكفر والزندقة الذي فاضت به كتب القوم وتواتر عنهم معتذرين أن ما قالوه قد قالوه في حالة سكر بما تجلى لهم من حقائق وبما عاينوا من علوم وزعموا أنها أسكرتهم وأطارت صوابهم، وجعلتهم يتكلمون بمثل هذه العبارات وهذا التبرير السمج الذي لجأ إليه الصوفية لا يغير من الحقائق شيئا وهو أن ما قالوه كفر واضح ظاهر وافتراء على الشريعة.
وقبل أن نبدأ في تفنيد مزاعمهم نستعرض طائفة يسيرة من عباراتهم التي اعتذروا عنها بأنها من الشطح وأن قائليها معذورون فيما قالوه لأنهم بزعمهم كانوا سكارى غائبين عن وعيهم عند ذكرهم لهذه العبارات. فقد تواتر ونقل الناس عن أبي يزيد البسطامي أنه قال "رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك!! فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا: رأيناك، فتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هنا" (اللمع ص٤٦١) أ. هـ.
وذكر عنه كذلك أنه قال "أول ما صرت إلى وحدانيته فصرت طيراً جسمه من الأحدية، وجناحاه من الديمومة فلم أزل أطير إلى أن صرت في ميدان الأزلية، فرأيت فيها شجرة الأحدية" (اللمع الطوسي ص٤٦١)، ونقل عنه أيضاً أنه قال: "سبحاني سبحاني" وقال أيضاً "ضربت خيمتي بإزاء العرش" (اللمع ص٤٦٤)، ومر يوماً بمقبرة للمسلمين فقال "مغرورون" و .. لليهود فقال "معذورون"!! (اللمع ص٤٦٣).
وأما الشبلي فهو أحد مقدميهم وقادتهم واسمه دلف بن جحدر فقد قيل له يوماً: يا أبا بكر أخبرنا عن التوحيد فقال: للسائل: "ويحك! من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن هم أنه واصل فليس له حاصل، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق فيه فهو غافل ومن ظن أنه قريب فهو بعيد ومن تواجد فهو فاقد، وكلما ميزتموه بأوهامكم وأدركتموه بعقولكم في أتم معانيكم فهو مصروف مردود إليكم محدث مصنوع مثلكم" أ. هـ.
وعندما سئل الشبلي عن أبي يزيد البسطامي وعرض عليه بعض ما قاله البسطامي مما نقلناه آنفاً قال الشبلي:
"لو كان أبو يزيد ها هنا لأسلم على يد بعض صبياننا وقال: لو أن أحداً يفهم ما أقول لشددت الزنانير" (اللمع ص٥٠).
وكان هذا الشبلي أيضاً يقول: "لو خطر ببالي أن الجحيم نيرانها وسعيرها تحرق مني شعرة كنت مشركاً" (اللمع ص٤٧٩ ومعنى شددت الزنانير جمع زنار وهو ما كان يضعه أهل الذمة على وسطهم تميزاً لهم عن المسلمين).
وذكر عنه أيضاً أنه سمع قارئاً يقرأ هذه الآية اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:١٠٨] فقال الشبلي ليتني كنت واحداً منهم (اللمع) (ص٤٩٠).
وذكر عنه كذلك أنه قال: "إن لله عباداً لو بزقوا على جهنم لأطفأوها" (اللمع) (ص٤٩٠) وثبت عن أبي الحسين النوري أنه قال (أنا أعشق الله وهو يعشقني"!! (اللمع) (ص٤٩١).
وشهدوا عليه أيضاً أنه سمع المؤذن فقال: طعنه وشم الموت!! وسمع نباح كلب فقال: "لبيك وسعديك"!! (اللمع ص٤٩٢)، وكذلك كان أبو حمزة الصوفي إذا سمع صوت هبوب الريح وخرير الماء، وصياح الطيور يصيح ويقول: لبيك!!.
ودخل دار الحارث المحاسبي فسمع شاه مرغياً: فقال: "لبيك يا سيدي"!!.
هذه عبارات قليلة جداً مما نقل عن هؤلاء وتواتر عنهم، ومهما حاول المرء أن يعتذر عن أصحابها بأي وجه من الوجوه فإنه لا يجد مفراً من الحكم بكفر معتقديها وقائليها .. فأما قولهم إن هذا شطح، وغلبة حال وغلبة سكر، ونحو هذا من الأقوال فالرد عليها ما يأتي: