للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الخامس: الدولة الفاطمية وخياناتها في محو السنة ونشر التشيع: لقد بذلت الدولة الفاطمية جهودًا خبيثة في محو السنة ونشر التشيع، وكانت خطتها المتبعة أنه في حال غياب الدولة توزع الدعاة سرًا ليقوموا بالدعوة إلى مذهب الإسماعيلية (١) الشيعي، وفي حالة أن تكون لهم دولة فإنهم يجعلون الدين الرسمي للدولة هو المذهب الشيعي. وعندما بدأ الفاطميون دعوتهم في بلاد المغرب، وجدوا أن التشيع كان منتشرًا هناك، لأن دولة الأدارسة التي أقامها إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب سنة (١٧٢) هـ هي في الأصل دولة علوية شيعية، فمن ثم أصبحت بلاد المغرب صالحة للدعوة الإسماعيلية، فانتشر التشيع واعتنقه كثير من البربر، حتى إن أكثر وزراء الأغالبة (في تونس) كانوا على المذهب الشيعي، وكان من أبرز الدعاة للفاطميين في تلك البلاد رجل يقال له أبو عبد الله الشيعي من بلاد اليمن، له من ضروب الحيل ما لا يحصى (٢).ولم يكتف أبوعبد الله الشيعي بنشر الدعوة للفاطميين في بلاد المغرب، بل أخذ يعمل على بسط نفوذهم في شمال إفريقية فوقعت في يده عدة مدن، وأعلن الفاطميون قيام دولتهم سنة (٢٩٦) هـ إثر انتصارهم على الأغالبة في موقعة الأربس (٣).ورأى الفاطميون بعد أن امتد نفوذهم في بلاد المغرب، أن هذه البلاد لا تصلح لتكون مركزًا لدولتهم، ففضلاً عن ضعف مواردها كان يسودها الاضطراب من حين لآخر، لذلك اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثرواتها وقربها من بلاد المشرق الأمر الذي يجعلها صالحة لإقامة دولة مستقلة تنافس العباسيين (٤).

وقد وجه الفاطميون أكثر من حملة للاستيلاء على مصر بدءًا من (٣٠١ - وحتى ٣٥٠هـ) وفي سنة (٣٥٨) هـ عهد الخليفة الفاطمي إلى جوهر الصقلي كتابًا بالأمان وفيه: " ... أن يظل المصريون على مذهبهم أي لا يلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي، وأن يجري الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان وفطره والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله ورسوله" (٥).ولم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلا مجرد مهادنة، وعندما وصل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة في سنة (٣٦٢) هـ ركز اهتمامه في تحويل المصريين إلى المذهب الشيعي، واتبعت الخلافة الفاطمية في ذاك عدة طرق منها: إسناد المناصب العليا وخاصة القضاء إلى الشيعيين، واتخاذ المساجد الكبيرة مراكز للدعاية الفاطمية، كالجامع الأزهر وجامع عمرو ومسجد أحمد بن طولون (٦)، كذلك أمعن الشيعة الفاطميون في إظهارهم شعائرهم المخالفة لشعائر أهل السنة، الآذان بحي على خير العمل، والاحتفال بيوم العاشر من المحرم الذي قتل فيه الحسين بكربلاء (٧).

وكان الفاطميون لا يقتصرون في تهييج أهل السنة على إقامة الشعائر الشيعية بل كانوا يرغمون أهل السنة ويعتدون عليهم ليشاركوهم طقوسهم.


(١) الإسماعيلية: وتسمى الإمامية الإسماعيلية، وهم الذين يقولون بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق، وكان أكبر أولاد أبيه جعفر. وهناك الإمامية الموسوية وهم الذين قالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهم الاثني عشرية. وكلا الإماميتين خبيث.
(٢) انظر: ((اتعاظ الحنفا)) للمقريزي (ص٧٥ - ٧٧).
(٣) حسن إبراهيم ((تاريخ الدولة الفاطمية)) (ص٥٠، ٥١).
(٤) د/ جمال الدين سرور ((الدولة الفاطمية في مصر)) (ص٥٩).
(٥) المقريزي ((اتعاظ الحنفا)) (ص١٤٨).
(٦) القلقشندي ((صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)) (٣/ ٤٨٣).
(٧) المقريزي ((الخطط والآثار)) (١/ ٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>