[المبحث الأول: المدرسة العقلية الحديثة وفكر الاعتزال]
وللمعتزلة – أو بالأصح فكر الاعتزال – شأن في عصرنا الحديث، ولولا ذلك الشأن ما اجتهدنا في التعريف بهذه الفرقة وأفكارها ومبادئها ولاعتبرناها من الفرق التي اندثرت في التاريخ؛ ذلك أن فضح مباحثها من خلال فكر الشيعة الرافضة أو تزييف مناهجها من خلال مناهج الأشاعرة إنما يتم في ثنايا الرد على الرافضة وغيرهم في مباحثهم ومناهجهم، وإنما اعتبرنا بيان الأصول العقائدية والقواعد المنهجية للاعتزال لما أطل خلفهم في عصرنا هذا برؤوسهم، ونادوا بما ادعته المعتزلة من مناهج واتخذوا من سبيل المدح لهم والثناء على "تحررهم" و "عقلانيتهم"! ذريعة إلى نشر آرائهم الفاسدة، والاستتار تحت شعار الاعتزال لدس السم في الفكر الإسلامي التوحيدي السليم.
نعم! قالوا: أليس المعتزلة من "المسلمين"؟! ألا يحق لنا الاقتباس منهم والرجوع إليهم؟! وما لنا "نجمد" مع الجامدين من الفقهاء والأئمة والمحدثين من السلف ونلتزم طريقهم ولا نقتبس عن المعتزلة "المسلمين" مواقفهم"العقلية""الثورية""التحررية" التي تتناسب ومقتضيات عصرنا الراهن؟! تلك هي مجمل دعواهم وملخص قولهم الذي أرادوا به القضاء على عقيدة المسلمين والتفافهم حول كتابهم من خلال تلبيس الحق بالباطل – بعد أن نجحت جهودهم في إزاحة شريعة الحق عن الساحة – وهو شأن المفسدين في كل زمان ومكان.
وقد بدأت جذور ذلك الأمر تظهر في البلاد الإسلامية السنية بعد أن ذاعت المبادئ الثلاثة التي أطلقها الصهاينة من خلال الثورة الفرنسية ليتمكنوا من خلالها من هدم الخلقية البشرية عامة وإقامة المجتمع اليهودي على أنقاضها، وهي مبادئ "الحرية – المساواة – العدل".
"والحرية" تعني أن يتحرر الإنسان من كل القيم والأعراف والأديان ويفعل ما يحلو له كالبهيمة، وإن تمحك دعاتها في معاني الحرية السياسية أو الفكرية التي لم يقف الإسلام حائلا في سبيلها يوما من الأيام داخل الإطار الشرعي لها.
"والمساواة" تعني أن لا فرق بين مسلم ونصراني ومجوسي بل الكل مشتركون في صفة الإنسانية فهم إخوة بهذا المعنى، ولا معنى للتفريق بينهم بسبب العقيدة، فلنسقط الأديان كلها باسم المساواة، وليتحد البشر باسم الإنسانية! وسبحان القائل وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وقال: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فكيف السبيل للاتحاد مع أمثال هؤلاء من المشركين!؟