تسمي الماتريدية المسائل المتعلقة باليوم الآخر السمعيات وذلك بناء على أن هذه المسائل لا تعلم إلا بالسمع أي أن مصدرهم في التلقي فيما يتعلق باليوم الآخر هو السمع فقط لذا نجدهم قد وافقوا أهل السنة والجماعة في هذا الباب إلا أن اعتقادهم بأن اليوم الآخر وما يتعلق به لا يعلم إلا بالسمع ليس بسديد بل إن العقل قد دل على اليوم الآخر كما دل عليه السمع بل إن السمع قد نبه على دلالة العقل كما في قوله تعالى إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [آل عمران: ٩٠ - ٩٢] وقوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:٨٥]." فهذا العالم المحكم المتقن لا يجوز في مقتضيات العقول الصحيحة أن يكون أمره عبثا ولا أن يكون بناؤه باطلا ويستحيل عقلا أن يكون ليس وراءه حكمة عليا هي نتيجة لحكمة خلقه ونشأته بل لا بد وأن هناك نشأة أخرى وراء هذه النشأة تتجلى فيها جميع حكم النشأة الأولى وتظهر فيها نتائج التكاليف الشرعية ويميز الله تعالى فيها الخبيث من الطيب والصالح من الطالح والمسيء من المحسن وينتقم فيها من الظالم للمظلوم ومن الباغي للمبغي عليه ولولا تلك النشأة الآخرة لضاعت حكمة خلق هذا العالم ولكان أمره عبثا باطلا "(١)
المصدر: الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص ٣٩٩، ٤٠٠
يعد الماتريدية جميع المباحث المتعلقة باليوم الآخر من السمعيات أي أن التعويل فيها يقتصر على الكتاب والسنة دون الركون إلى العقل وأحكامه ومن ثم جاءت عقيدة الماتريدية في اليوم الآخر مطابقة لمذهب أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا نعيم القبر وعذابه وأشراط الساعة والبعث والنشور والميزان والصراط والحوض
المصدر:الفرق الإسلامية وأصولها الإيمانية للدكتور عبد الفتاح أحمد فؤاد - ١/ ٢٧٦
(١) ((الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها)) عبد الله سراج الدين (ص٧).