[المطلب السابع: قاعدة: القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر]
هذا الأصل أو هذه القاعدة – من أعظم الأصول والقواعد في باب الأسماء والصفات، ومن أهمها في بيان تناقض الخصوم من أهل الكلام – على مختلف طبقاتهم ودرجاتهم في هذا الباب – كما أنها مشتملة على جوانب عظيمة في إقناع من يتردد في صحة مذهب السلف، أو يخالطه شك أو شبهة مما ينثره أهل الكلام في كتبهم ومقالاتهم.
وهذه القاعدة لم يفصل القول فيها أحد – فيما أعلم – قبل شيخ الإسلام، وإن كان قد ألمح إليها بعض الأشاعرة – إحساسا منه بالتناقض – أو بعض أهل السنة اقتناعا منه بتناقض خصومه -، أما الكلام فيها بهذه القوة والوضوح والإقناع فقد كان مما وفق الله هذا الإمام إليه، وهو سبحانه وتعالى المتفضل على عباده بما يشاء، فله الحمد والمنة.
وقبل الدخول في تفاصيل هذا الأصل – أو هذه القاعدة – يمكن إجمال ما اشتملت عليه من الأصول والقواعد بما يلي:
١ - أن من نفى بعض الصفات وأثبت البعض الآخر، لزمه فيما أثبته نظير ما يلزمه فيما نفاه.
٢ - وأن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، لأنه قد يكون ثبت بدليل آخر غير هذا الدليل.
٣ - أن كل من أول صفة لزمه فيما أوله نظير ما ظن أنه يلزمه فيما فر منه.
٤ - أن دلالة السمع والعقل على الصفات واحدة:
أ- فإذا كان السمع قد دل على الصفات السبع، فقد دل أيضاً على غيرها، ووجه الدلالة وقوة النص واحدة.
ب- وإذا دل العقل على الصفات السبع، فيمكن أن يدل العقل على غيرها، مما ينفيه هؤلاء.
٥ - أنه يقال للأشعري نظير ما يقوله هو للمعتزلي في مسألة الأسماء.
٦ - أن هذا الأصل يمكن أن يرد به على جميع النفاة.
أ- الأشعري الذي يثبت بعض الصفات دون بعض.
ب- والمعتزلي الذي يثبت الأسماء وينفي الصفات.
ج- والجهمي الذي ينفي الأسماء والصفات ولكن يقر بأن الله شيء وأنه موجود.
د- والغلاة: الذين يسلبون النقيضين.
وقد استخدم شيخ الإسلام هذا الأصل في الرد على هؤلاء جميعا، وبين تناقضهم. وبالنسبة للأشاعرة – الذين هم مدار هذا البحث – فيمكن بيان منهجهه في تقرير هذا الأصل بذكر أحد ردوده العامة، ثم ذكر عدد من الأمثلة التي أوردها شيخ الإسلام في مناقشته لهم معتمدا على الأصل:
سبق – في مبحث الأسماء – أن الأشاعرة وإن أثبتوا أسماء الله بإجمال، إلا أنهم يتأولون – في بعض هذه الأسماء – ما تدل عليه من الصفات، فمثلا يثبتون من أسمائه تعالى: الرحيم، والعلي، والودود، ولكنهم حينما يفسرونها يتأولونها كما يتأولون صفة الرحمة، والعلو، والمحبة، وغيرها. أما العليم والقدير فلا يتأولونه، كذلك هم في الصفات يثبتون السمع والبصر والكلام والإرادة، ويتأولون غيرها كالرحمة والرضا والغضب وغيرها.
فشيخ الإسلام بين تناقضهم في ذلك كله فقال، "من أقر بفهم بعض معنى الأسماء والصفات دون بعض، فيقال له: ما الفرق بين ما أثبته وبين ما نفيته، أو أمسكت عن إثباته ونفيه؟ فإن الفرق:
- إما أن يكون من جهة السمع.
- أو من جهة العقل بأن أحد المعنيين يجوز أو يجب إثباته دون الآخر. وكلا الوجهين باطل بأكثر المواضع.
أما الأول: فدلالة القرآن على أنه: رحمن، رحيم، ودود، سميع بصير، عليّ، عظيم، كدلالته على أنه: عليم، قدير، ليس بينهما فرق من جهة النص، وكذلك ذكره لرحمته، ومحبته، وعلوه، مثل ذكره لمشيئته وإرادته.
وأما الثاني: فيقال من أثبت شيئا ونفى آخر: لم نفيت مثلا حقيقة رحمته، ومحبته، وأعدت ذلك إلى إرادته؟.
فإن قال: لأن المفهوم من الرحمة رقة تمتنع على الله.
قيل له: والمعنى المفهوم من الإرادة في حقنا هي ميل يمتنع على الله.
فإن قال: إرادته ليست من جنس إرادة خلقه.