للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان الرب قد أخبر بمجيء نفسه، ثم تأولتم ذلك بأمره، فإذا أخبر بمجيء قراءة القرآن فلأن تتأولوا ذلك بمجيء ثوابه بطريق الأولى والأحرى. وإذا قاله على سبيل الإلزام لم يلزم أن يكون موافقا لهم عليه، وهو لا يحتاج على أن يلتزم هذا؛ فإن هذا الحديث له نظائر كثيرة في مجيء أعمال العباد، والمراد مجيء قراءة القارئ التي هي عمله، وأعمال العباد مخلوقة، وثوابها مخلوق، ولهذا قال أحمد وغيره من السلف: إنه يجيء ثواب القرآن (١)، والثواب إنما يقع على أعمال العباد، لا على صفات الرب وأفعاله" (٢).

والخلاصة:

١ - أن هذا مخالف لما تواتر عن الإمام أحمد من المنع من التأويل.

٢ - أن حنبل تفرد بهذه الرواية.٣ - وعلى فرض صحتها فالإمام قالها إلزاما لخصومه المعتزلة (٣).

هذه خلاصة مباحث "التأويل" تبين سلامة منهج أهل السنة في الصفات، كما شرحه شيخ الإسلام ورد على المجيزين للتأويل، ولا شك أن هذا الباب لما فتحه المتكلمون – وقد يكون عند بعضهم عن حسن نية – ولج منه أهل الإلحاد من القرامطة والباطنية والفلاسفة وغيرهم ليتوصلوا به إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، وإنكار المعاد وما فيه، وهذا وحده كاف لوجوب سد هذا الباب الخطير. ويمكن ذكر نموذج واحد لمقالات هؤلاء الذين فتحوا باب التأويل، يقول شيخ الإسلام: "ولهذا قال كثير منهم – كأبي الحسين البصري، ومن تبعه كالرازي والآمدي وابن الحاجب – أن الأمة إذا اختلفت في تأويل الآية على قولين، جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين. فجوزوا أن تكون الأمة مجتمعة على الضلال في تفسير القرآن والحديث وأن يكون الله أنزل الآية، وأراد بها معنى لم يفهمه الصحابة والتابعون، ولكن قالوا: إن الله أراد معنى آخر. وهم لو تصوروا هذه المقالة لم يقولوا هذا فإن أصلهم أن الأمة لا تجتمع على ضلالة" (٤).

ومن تدبر هذا وأمثاله عرف ما فيه وما له من آثار.

المصدر:موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – ٣/ ١١٦٣


(١) انظر الكلام على مجيء سورة البقرة وآل عمران في ((نقض التأسيس – مخطوط –)) (٣/ ١١٦ - ١١٢٦).
(٢) ((شرح حديث النزول – مجموع الفتاوى)) (٥/ ٤٠٠).
(٣) انظر أيضا: ((مجموع الفتاوى)) (١٦/ ٤٠٤، ٤٢١ - ٤٢٢)، حيث نقل كلام ابن الزاغوني، وانظر أيضا (٦/ ١٥٦ - ١٦٦).
(٤) ((الفرقان بين الحق والباطل – مجموع الفتاوى)) (١٣/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>