للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: معتقدهم في الإلهيات]

اتفقت أقاويل نقلة المقالات من غير تردد أنهم قائلون بإلهين قديمين لا أول لوجودهما من حيث الزمان إلا أن أحدهما علة لوجود الثاني واسم العلة السابق واسم المعلول التالي وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه وقد يسمى الأول عقلا والثاني نفسا ويزعمون أن الأول هو التام بالفعل والثاني بالإضافة إليه ناقص لأنه معلوله وربما لبسوا على العوام مستدلين بآيات من القرآن عليه كقوله تعالى إنا نحن نزلنا ونحن قسمنا وزعموا إن هذه إشارة إلى جمع لا يصدر عن واحد ولذلك قال سبح اسم ربك الأعلى إشارة إلى السابق من الإلهين فإنه الأعلى ولولا أن معه إلها آخر له العلو أيضا لما انتظم إطلاق الأعلى وربما قالوا الشرع سماهما باسم القلم واللوح والأول هو القلم فإن القلم مفيد واللوح مستفيد متأثر والمفيد فوق المستفيد وربما قالوا اسم التالي قدر في لسان الشرع وهو الذي خلق الله به العالم حيث قال إنا كل شيء خلقناه بقدر, ثم قالوا السابق لا يوصف بوجود ولا عدم فان العدم نفى والوجود سببه فلا هو موجود ولا هو معدوم ولا هو معلوم ولا هو مجهول ولا هو موصوف ولا غير موصوف وزعموا أن جميع الأسامي منتفية عنه وكأنهم يتطلعون في الجملة لنفي الصانع فإنهم لو قالوا إنه معدوم لم يقبل منهم بل منعوا الناس من تسميته موجودا وهو عين النفي مع تغيير العبارة لكنهم تحذلقوا فسموا هذا النفي تنزيها وسموا مناقضه تشبيها حتى تميل القلوب إلى قبوله ثم قالوا العالم قديم أي وجوده ليس مسبوقا بعدم زماني بل حدث من السابق التالي وهو أول مبدع وحدث من المبدع الأول النفس الكلية الفاشية جزئياتها في هذه الأبدان المركبة وتولد من حركة النفس الحرارة ومن سكونها البرودة ثم تولد منهما الرطوبة واليبوسة ثم تولدت من هذه الكيفيات الاستقصات الأربع وهي النار والهواء والماء والأرض ثم إذا امتزجت على اعتدال ناقص حدثت منها المعادن فإن زاد قربها من الاعتدال وانهدم صرفية التضاد منها تولد منها النبات وإن زاد تولد الحيوان فإن ازداد قربا تولد الإنسان وهو منتهى الاعتدال.

فهذا ما حكي من مذهبهم إلى أمور أخر هي أفحش مما ذكرناه لم نر تسويد البياض بنقلها ولا تبيان وجه الرد عليها لمعنيين أحدهما أن المنخدعين بخداعهم وزورهم والمتدلين بحبل غرورهم في عصرنا هذا لم يسمعوا هذا منهم فينكرون جميع ذلك إذا حكى من مذهبهم ويحدثون في أنفسهم أن هؤلاء إنما خالفوا لأنه ليس عندهم حقيقة مذهبنا ولو عرفوها لوافقونا عليها فنرى أن نشتغل بالرد عليهم فيما اتفقت كلمتهم وهو إبطال الرأي والدعوة إلى التعلم من الإمام المعصوم فهذه عمدة معتقدهم وزبدة مخضهم فلنصرف العناية إليه وما عداه فمنسقم إلى هذيان ظاهر البطلان وإلى كفر مسترق من الثنوية والمجوس في القول بالإلهين مع تبديل عبارة النور والظلمة بالسابق والتالي إلى ضلال منتزع من كلام الفلاسفة في قولهم إن المبدأ الأول علة لوجود العقل على سبيل اللزوم عنه لا على سبيل القصد والاختيار وأنه حصل من ذاته بغير واسطة سواه نعم يثبتون موجودات قديمة يلزم بعضها عن بعض ويسمونها عقولا ويحيلون وجود كل فلك على عقل من تلك العقول في خبط لهم طويل.

المصدر:فضائح الباطنية لأبي حامد الغزالي - ص٣٨

القرامطة والديلم يقولون إن الله نور علوي لا تشبهه الأنوار ولا يمازجه الظلام وإنه تولد من النور العلوي النور الشعشاني فكان منه الأنبياء والأئمة فهم بخلاف طبائع الناس وهم يعلمون الغيب ويقدرون على كل شيء ولا يعجزهم شيء ويقهرون ولا يقهرون ويعلِّمون ولا يعلَّمون ولهم علامات معجزات وأمارات ومقدمات قبل مجيئهم وظهورهم وبعد ظهورهم يعرفون بها وهم مباينون لسائر الناس في صورهم وأطباعهم وأخلاقهم وأعمالهم وزعموا أنه تولد من النور الشعشعاني نور ظلامي وهو النور الذي تراه في الشمس والقمر والكواكب والنار والجواهر الذي يخالطه الظلام وتجوز عليه الآفات والنقصان وتحل عليه الآلام والأوصاب ويجوز عليه السهو والغفلات والنسيان والسيئات والشهوات والمنكرات غير أن الخلق كله تولد من القديم البارئ وهو النور العلوي الذي لم يزل ولا يزال ولا يزول سبق الحوادث وأبدع الخلق من غير شيء كان قبله قدره نافذ وعلمه سابق وإنه حي لا بحياة وقادر لا بقدرة وسميع بصير لا يسمع ولا يبصر ومدبر لا بجوارح ولا آلة فيصفون الإله جل وعز كما يصفه الموحدون مع قولهم إنه نور لا يشبه الأنوار ثم يزعمون أن الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض نافلة لا فرض وإنما هو شكر للمنعم وأن الرب لا يحتاج إلى عبادة خلقه وإنما ذلك شكرهم فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل والاختيار في ذلك إليهم وزعموا أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور أن من مات بلى جسده ولحق روحه بالنور الذي تولد منه حتى يرجع كما كان

المصدر:التنبيه والرد على أهل البدع لأبي الحسين محمد الملطي

<<  <  ج: ص:  >  >>