للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس: أهمية عمل القلب]

القلب هو موضع الإيمان الأصلي، وإيمانه أهم أجزاء الإيمان، ومن هنا كان قوله وعمله هو أصل الإيمان الذي لا يوجد بدونه مهما عملت الجوارح من الإيمان، ولا خلاف بين عقلاء بنى آدم في أن كل حركة بالجارحة لا تكون إلا بإدارة قلبية، وإلا فهي من تصرفات المجانين أو حركات المضطرين فاقدي الإرادة.

فالقلب - كما سبق في فصل حقيقة النفس الإنسانية - ليس ملك الأعضاء فحسب، بل هو أعظم من ذلك، إذ هو مصدر توجيهها ومنبع عملها وأساس خيرها وشرها، فإذا كانت إدارته إيمانية كانت الأفعال العضوية إيمانا، وإذا كانت إدارته إدارة كفر ونفاق أو عصيان كانت تلك مثلها.

والنصوص في ذلك كثيرة. منها:

١ - يقول الله تعالى في حق من حققوا الولاء والبراء: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ [المجادلة:٢٢]

٢ - ويقول: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:٧]

٣ - ويقول في حق الأعراب: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:١٤]

٤ - ويقول: وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [آل عمران:١٥٤]

وغير ذلك كالآيات الدالة على الطبع والختم على قلوب الكافرين أو كونها في أكنه أو مغلقة - ونحوها. وكل آية ورد فيها قوله: بِذَاتِ الصُّدُورِ (١).ومن السنة يقول النبى صلى الله عليه وسلم: (( .... التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات .... )) (٢). ويقول: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) (٣).ويقول - كما روى الإمام أحمد في المسند -: ((الإسلام علانية، والإيمان في القلب وأشار إلى صدره ثلاث مرات قائلا التقوى هاهنا، التقوى هاهنا)) (٤).ويقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) (٥).

فهذه النصوص تدل على أن القلب هو الأصل، وأن إيمانه هو جزء الإيمان الأساس الذى يقوم عليه الجزء الظاهر ويتفرع منه، ويرتبط به ارتباط العلة بالمعلول، بل ارتباط أجزاء الحقيقة الواحدة الجامعة، ومن هنا لم يسم المنافق مؤمنا قط وإن كثر عمل جوارحه بالجهاد والصلاة.

بل المؤمن المجاهد إذا نوى بجهاده طلب الدنيا أو الرياء حبط عمله وتبدلت المثوبة في حقه عقوبة وعذابا، وهذا ما يدل على أهمية عمل القلب، وقد سبق تفصيل لذلك في فصل حقيقة النفس الإنسانية.


(١) وهى كثيرة، وتدل على ارتباط أعمال القلب بأعمال الجوارح، لأنها كثيرا ما ترد فى أعمال الجوارح.
(٢) رواه مسلم (٣٢) (٢٥٦٤) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) رواه البخاري (٥٢) , ومسلم (١٥٩٩) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(٤) رواه أحمد (١٢٤٠٤) (٣/ ١٣٤) , من حديث أنس رضي الله عنه, قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (١/ ٥٧): رجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون, وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٢٢٨٠).
(٥) رواه الترمذي (٢١٤٠) , وقال: حسن, قال الألباني في ((الإيمان لابن أبي شيبة)) (٥٥): هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>