للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملوا الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار؟ بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك" (١).ومن المعلوم أنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أسلم، ودخل في دين الله يلزم بالأعمال الظاهرة، من صلاة وزكاة وصيام وحج، ولم يكن أحد يترك بمجرد الكلمة، بل كان من أظهر المعصية يعاقب عليها، ولو كان من أتى به هو الواجب عليه فقط، لما عوقب على تركه لغيره (٢).

و ((لما جاء نفر من اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا نشهد إنك لرسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: لم تتبعوني، قالوا: نخاف من يهود)) (٣).

فلم يكونوا مسلمين بذلك؛ لأنهم قالوا ذلك على سبيل الإخبار عما في أنفسهم، أي نعم ونجزم أنك رسول الله، فعلم أن مجرد العلم والإخبار عنه ليس بإيمان حتى يتكلم بالإيمان على وجه الإنشاء، المتضمن للالتزام والانقياد، مع تضمن ذلك الإخبار عما في أنفسهم. والمنافقون قالوا مخبرين كاذبين، فاكانوا كفارا في الباطن، وهؤلاء قالوها غير ملتزمين ولا منقادين، فكانوا كفارا في الظاهر والباطن (٤).

٤ - نقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد في معرض نقضه لمن اكتفى في الإيمان بالإقرار أنه قال:

"ويلزمه أن يقول: هو مؤمن بإقراره، وإن أقر بالزكاة في الجملة، ولم يجد في كل مائتي درهم خمسة أنه مؤمن، فيلزمه أن يقول: إذا أقر، ثم شد الزنار في وسطه، وصلى للصليب، وأتى الكنائس والبيع، وعمل الكبائر كلها، إلا أنه في ذلك مقر بالله، فيلزمه أن يكون عنده مؤمنا، وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم (٥).

قلت "القائل: شيخ الإسلام": هذا الذي ذكره الإمام أحمد من أحسن ما احتج الناس به عليهم، جمع جملا يقول غيره بعضها، وهذا الإلزام لا محيد لهم عنه.

ولهذا لما عرف متكلموهم، مثل جهم، ومن وافقه أنه لازم لهم التزموه، وقالوا: لو فعل ما فعل من الأعمال الظاهرة لم يكن بذلك كافرا في الباطن، لكن يكون دليلا على الكفر في أحكام الدنيا.

فإذا احتج عليهم بنصوص تقتضي أن يكون كافرا في الآخرة؟ قالوا: فهذه النصوص تدل على أنه في الباطن ليس معه من معرفة الله شيء، فإنها عندهم شيء واحد، فخالفوا صريح المعقول، وصريح الشرع" (٦).٥ - ذكر شيخ الإسلام أيضا أن مما يلزمهم "أن من سجد للصليب والأوثان طوعا، وألقى المصحف في الحش عمدا، وقتل النفس بغير حق، وقتل كل ما رآه يصلي، وسفك دم كل من يراه يحج البيت، وفعل ما فعلته القرامطة بالمسلمين يجوز أن يكون مع ذلك مؤمنا وليا لله، إيمانه مثل إيمان النبيين والصديقين" (٧).

المصدر:آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص ٣٧٧


(١) ((الإيمان)) (ص٢٧٢) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٨٧).
(٢) انظر: ((الإيمان)) (ص٢٤٥) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٥٨).
(٣) رواه النسائي (٧/ ١١١) بلفظ (قال يهودي لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي قال له صاحبه ..... ) من حديث صفوان بن عسال, قال الزيلعي في ((تخريج الكشاف)) (٢/ ٢٩٢): [فيه] عبد الله بن سلمة في حفظه شيء وتكلموا فيه وأن له مناكير, وضعفه الألباني.
(٤) انظر: ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٦١)، (ص٤٥٥) ط. ابن الجوزي؛ و ((الصارم المسلول)) (٣/ ٩٦٨).
(٥) انظر: ((السنة)) للخلال (٤/ ٢٧ - ٢٨ رقم ١١٠٣).
(٦) ((الإيمان)) (ص٣٨٤ - ٣٨٥) ((الفتاوى)) (٧/ ٤٠١).
(٧) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٨٤، ص٤٩٤ - ٤٩٥) ط. ابن الجوزي.

<<  <  ج: ص:  >  >>