المطلب السادس: إبطال عقيدة التحريف طبقاً للمنهج القرآني
العقائد التي شذ بها الإمامية الاثنا عشرية عن المسلمين نوعان:
نوع لا وجود له - (كالإمامة) و (العصمة) -اخترعوه وأثبتوه. وهذا لا دليل لهم على وجوده من القرآن سوى المتشابهات.
ونوع ثابت - كحفظ القرآن - نفَوه وأنكروه. وهذا لا دليل لهم على نفيه سوى الشبهات.
والثابت قطعاً لا ينقض بشبهة، بل لا ينقض أصلاً، بل كل ما عارض الثابت أصلاً فهو شبهة باطلة قطعاً.
وهذا دليلنا وحجتنا القطعية اليقينية على بطلان عقيدة التحريف طبقاً للمنهج القرآني.
ولو جازت الزيادة والنقصان في حرف من القرآن لجاز ذلك في كلمة، وهذا يستلزم جوازه في أكثر من ذلك، وهنا يمسي القرآن كمصدر موثوق للهداية غير ذي معنى؛ لأنه إذا سرى الشك إلى مصدر الهداية تعدى ذلك إلى الهداية نفسها، وعند ذاك يسري الشك إلى أي أصل من أصول الدين الذي تقوم عليه الهداية، ويتمكن أي إنسان من التملص منه بإثارة الشبهات حوله، وكذلك يتمكن من إضافة أي أصل إلى الدين بالطريقة نفسها، ولكن بصورة معكوسة: فينفي الموجود بحجة أنه زائد مضاف، ويثبت المفقود بحجة أنه ناقص محذوف، كما قالوا عن نصوص (الإمامة).
مجمل القول أن الاعتقاد بجواز طروء التحريف على القرآن يؤدي إلى تعطيل الدين وتخريبه، فنحتاج إلى نبي جديد يأتي بكتاب جديد يهيمن على هذا الكتاب ويشهد له أو عليه، وهذا مخالف لأصل ختم النبوة؛ فالله تعالى حفظ الكتاب لأنه ختم النبوة، وختم النبوة لأنه حفظ الكتاب، فلا حاجة لبعثة نبي جديد.
فلو جاز وقوع التحريف في الكتاب لكنا محتاجين دوماً لبعثة نبي جديد يثبت لنا، ويدلنا قطعاً على مواضع التحريف فيه، وإلا فمن يقوم بهذا الدور؟
هل الروايات؟ كلا .. فإن التحريف إذا تطرق إلى الكتاب كان تطرقه إلى الروايات أولى، فكيف يعالج هذا بهذا؟
أم العقول؟ والعقول مختلفة فعقل من هو الحكم؟ اللهم إلا إذا كان صاحب العقل نبياً يأتيه الوحي من السماء، وهذا مستحيل أيضاً لختم النبوة.
لهذا وغيره أجمع المسلمون على حفظ القرآن، وبطلان القول بتحريفه، وتكفير من يقول بهذا القول.
الأدلة على حفظ القرآن أظهر من أن تذكر:
لا أرى حاجة للتدليل على أصل كل الأصول في دين الإسلام، ألا وهو حفظ القرآن، وتهافت القول بتحريفه، ويكفي في ذلك أن أصحاب دعوى التحريف أنفسهم لا يجرؤون على التصريح بها علناً بصورة لا يتمكنون بعدها من نفي هذه التهمة عنهم، فنراهم يصرحون بها في حال وينكرونها في حال، فمثلاً يذكرونها في كتاب، وينكرونها في آخر، أو في موضع آخر من الكتاب نفسه! ويصرحون بها في المجالس الخاصة، وينكرونها في وسائل الإعلام أو أمام الملأ، مع أنهم يجاهرون بإبراز غيرها من السوءات العقيدية كتجريح الصحابة، وهذا يعني أنهم لو علموا أن لهم حجة - ولو بوجه بعيد - لما اختفوا بها هذا الاختفاء.
إن كل مسلم يقرأ في أول آية من كتاب الله بعد مقدمته (سورة الفاتحة) قوله تعالى: ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [البقرة:١ - ٢] , ثم أقام الله تعالى الدليل القاطع على نفي الريب عن كتابه الهادي بقوله: وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:٢٣]، وأي ريب ينفى عنه إذا جاز عليه التحريف بالزيادة والنقصان؟! ولذلك يقول تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:٤١ - ٤٢].