[المبحث الأول: موقف علماء السلف من الإرجاء والمرجئة]
يمتاز علماء السلف بأنهم هم الفئة العالمة التي لا تعبث بأصول عقيدتها الأحداث، والفتن التي مزقت الأمة إلى تيارات متعددة، وقد كانت هذه الفرق المخالفة لمنهج السلف هي إحدى نتائج هذه الفتن، وقد أوغلت الضلالة بأرباب هذه الفرق إلى ابتداع أمور مخالفة لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، ومن هذا المنطق، فقد وقف علماء السلف في وجه هؤلاء المبتدعة، وأبطلوا شبهاتهم، وبينوا المعتقد الحق الذي تدين به الأمة المسلمة".
وكلما ظهرت فتنة من الفتن أفرزت في خاتمتها إقرارات بدعية مختلفة، يقول بها من ضعف عقيدته عن مواجهة الباطل، والثبات على الدين الحق، وهذا ما حدث للخوارج عندما خرجوا على علي رضي الله عنه، ورد عليهم الشيعة، وانتحلوا الأكاذيب التي يرفعون بها الرجال إلى مصاف الألوهية، ويتبرءون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ظهرت القدرية، والتي عجزت عقولهم عن اعتقاد الرسول، والصحابة الكرام في القدر، فراموا فهما، واعتقاداً، أودى بهم إلى إنكار القدر، ثم جاءت المرجئة بعقولهم العاجزة - أيضا - عن فهم أسس العقيدة، وثوابتها أمام الفتن، والأحداث الجسام، فجنحوا إلى فصل الإيمان عن العمل، واتسعت دائرة هذا الابتداع، ليجد فيه أتابع الفرق المنحرفة مخرجاً لانسلاخهم، وبعدهم عن الدين الحق.
وبسبب هذا الواقع الأليم، أنكر علماء السلف على المرجئة مقالتهم الضالة، واعتبروها من البدع الخطرة، التي تعطي الجهلة، والفسقة، الذريعة لارتكاب المعاصي، والمنكرات، وقد أتبع السلف في الرد على المرجئة مسالك متعددة؛ من أبرزها ما يلي:
الاحتجاج عليهم بنصوص الكتاب، والسنة، وواقع الصحابة الذي يبطل دعواتهم:
فأهل البدع كلهم إنما سموا مبتدعة لمخالفتهم ما جاء في الكتاب والسنة من العقائد الصحيحة، وهؤلاء المرجئة إنما حرفوا نصوص الكتاب والسنة في الإيمان، والعمل، وتأولوها على غير وجهها الصحيح؛ تبعاً لانحرافهم، وبدعتهم؛ فهذا هو القرآن الكريم يقرن الإيمان بالعمل، في مواطن يطول حصرها، ومنها قول الله - تعالى -: وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البقرة: ٢٥]، وقال - تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: ٢٧٧]، وقال - تعالى -: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: ٩٣]، وسمى - سبحانه - الأعمال إيماناً؛ فقال - سبحانه -: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [البقرة: ١٤٣].