للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: أفعال التولد]

تعريف المعتزلة لأفعال التولد، وبعض الأمثلة التي توضحها:

تعريف أفعال التولد: يقول الإسكافي: "أفعال التولد هي كل فعل يتهيأ وقوعه على الخطأ دون القصد إليه أو الإرادة له، فهو متولد، وكل فعل لا يتهيأ وقوعه إلا بقصد، ويحتاج كل جزء منه إلى تجدد عزم وإرادة له، فهو خارج من حد التولد داخل في حد المباشر" (١).

ثانياً: الأمثلة: والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: الألم الحادث عند الضرب، والألوان الحادثة عند الضربة، ومثل انحدار الحجر الحادث عن طرحه، والإدراك الحادث عن فتح البصر (٢)، وما أشبهها من المسببات غير المقصودة.

الفرع الثاني: خلاف المعتزلة في أفعال التولد:

لقد اختلف المعتزلة في أفعال التولد على أقوال، أهمها ما يلي:

القول الأول: قول من قال: إن المتولدات أفعال لا محدث لها، وممن قال بهذا القول: ثمامة بن الأشرس (٣). يقول القاضي عبدالجبار – وهو يتكلم عن الخلاف حول المتولدات -: " ... فأما ثمامة بن الأشرس، فإنه جعل هذه الحوادث ما عدا الإرادة حدثاً لا محدث له" (٤).

شبهة ثمامة: يروي الشهرستاني رأي ثمامة في الفعل المتولد وشبهته فيقول: " ... وانفرد ثمامة عن أصحابه بمسائل، منها: قوله إن الأفعال المتولدة لا فاعل لها؛ إذ لم يمكنه إضافتها إلى فاعل أسبابها، لأنه يلزم أن يضيف الفعل إلى ميت مثلما إذا فعل السبب ومات ووجد المتولد بعده، ولم يمكنه إضافتها إلى الله تعالى، لأنه يؤدي إلى فعل القبيح وذلك محال، فتحير فيه وقال: المتولدات أفعال لا فاعل لها ... " (٥).

المناقشة: يقال لثمامة إنك حصرت أفعال التولد بين أن تكون فعلاً لله، أو فعلاً للعباد، أو فعلاً لا فاعل له ثم أبطلت أن تكون فعلاً لله أو فعلاً للعباد، ليثبت لك رأيك الباطل، وهو أنها فعل لا فاعل له، ونقول: إن قولك أفعال التولد فعل لا فاعل له باطل، وذلك أنه يلزم من هذا القول إجازة حدوث كل فعل لا من فاعل، لأنه لا فرق بين بعضها وبين البعض الآخر في الاحتياج إلى محدث وفاعل (٦). وإجازة حدوث كل فعل لا من فاعل كفر، لأنه يؤدي إلى إبطال الصانع، وما يؤدي إلى الكفر مثله. يقول الجويني – وهو يرد على أصحاب التولد – "وإذا جاز ثبوت فعل لا فاعل له جاز – أيضاً – المصير إلى أن ما نعلمه من جواهر العالم وأعراضه ليست فعلاً لله، ولكنها واقعة عن سبب مقدور موجب لما عداه، وذلك خروج عن الدين وانسلال عن مذهب المسلمين" (٧).

وأيضا: فإن قولكم هذا: مناف للعقل الصحيح؛ إذ أنه ليس هناك إلا خالق أو مخلوق أو صفة للخالق، وهذه المتولدات ليست خالقة ولا صفة للخالق، فإذا هي مخلوقة، وإذا كانت كذلك؛ بطل قولكم: إنها فعل لا فاعل له، وإذاً فالقول بأن المتولدات فعل لا فاعل له باطل، فلم يبق إلا أن تكون فعلاً لله أو للعباد، وقد أقررت بأن المتولدات ليست من أفعال العباد، وهو ما نوافقك عليه، وإذا بطل أن تكون المتولدات فعلاً لا فاعل له ولم تكن من أفعال العباد، لم يبق إلا أنها من فعل الله تعالى، وهو القول الحق – إن شاء الله – بل إن في القول بأنها ليست من صنع الله منافاة لصريح القرآن. قال تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ .... [الزمر: ٦٢].


(١) ((المقالات)) (٢/ ٨٤، ٨٥).
(٢) ((المقالات)) (٢/ ٧٨، ٧٩).
(٣) انظر ((فرقة الثمامية)) (ص٦٢) من الرسالة.
(٤) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٨٨).
(٥) ((الملل والنحل)) (١/ ٧١).
(٦) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٨٩)، و ((أصول الدين)) (ص١٧٧)، بتصرف.
(٧) ((الإرشاد)) للجويني (ص٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>