للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: الحكم بتكفير العصاة كفر ملة]

الحكم بتكفير العصاة كفر ملة، وأنهم خارجون عن الإسلام ومخلدون في النار مع سائر الكفار. وهذا رأي أكثرية الخوارج.

وعلى هذا الرأي من فرق الخوارج: المحكِّمة والأزارقة والمكرمية والشبيبية من البيهسية واليزيدية والنجدات، إلا أنهم مختلفون في سبب كفره:

فعند المكرمية أن سبب كفره ليس لتركه الواجبات أو انتهاك المحرمات، وإنما لأجل جهله بحق الله إذ لم يقدره حق قدره.

وأما النجدات فقد فصلوا القول بحسب حال المذنب، فإن كان مصراً فهو كافر، ولو كان إصراره على صغائر الذنوب، وإن كان غير مصر فهو مسلم حتى وإن كانت تلك الذنوب من الكبائر، وهو تفصيل بمحض الهوى والأماني الباطلة.

وهذا هو الرأي الأول: وهو أنهم كفار ملة خارجون عن الإسلام بارتكابهم الكبائر، مخلدون في النار مع سائر الكفار بتلك المعاصي، وهذا رأي الأزارقة بالإجماع، كما يذكر الشهرستاني فيقول: "اجتمعت الأزارقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملة خرج به عن الإسلام جملة، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار" (١).ويقول الأشعري عنهم كذلك: "والأزارقة تقول إن كل كبيرة كفر ... وإن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً"، وهذا هو ما يذكره عنهم غيره من العلماء كالملطي، وابن الجوزي، والجيطاني من الإباضية، وابن تيمية، وابن حزم، وغيرهم" (٢).ويذكر الشهرستاني أن العجاردة أيضاً كالأزارقة يكفرون أهل الكبائر، إلا أنه لم يبين نوع الكفر الذي يقولون به، فقال في معرض تعداده لآرائهم: "ويكفرون بالكبائر" (٣). وهذا يتبادر منه إلى الذهن أنهم يكفرونه كفر ملة، ولكن صاحب كتاب (الأديان) الإباضي يذكر أن رأي العجاردة هذا ورأي أهل الاستقامة – ويعني بهم الإباضية – واحد، وهو الحكم على مرتكب الكبيرة بأنه كافر كفر نعمة، على حسب ما تقوله الإباضية، وذلك في قوله الآتي: "ويكفرون أهل الكبائر كفر نعمة على قول أهل الاستقامة" (٤).

ومن الفرق الأخرى التي توافق الأزارقة أيضاً في الحكم على مرتكب الكبيرة بأنه كافر- المكرمية، إلا أنهم يختلفون عنهم في سبب كفره، فعند المكرمية أن كفره ليس من حيث تركه للواجبات التي أمر الله بها، أو ارتكابه للمحظورات، بل من حيث أنه جهل حق الله عليه، فلم يقدره حق قدره، وذلك في كل كبيرة يرتكبها، بينما هو عند الأزارقة كافر، بسبب ما ارتكب من محظورات. يقول الأشعري عن رأي المكرمية هذا: ومما تفردوا به أنهم زعموا أن تارك الصلاة كافر، وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر، ولكن من قبل جهله بالله، وكذلك قالوا في سائر الكبائر، وزعموا أن من أتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وتعالى وبتلك الجهالة كفر لا بركوبه المعصية". وكذلك نقل عنهم البغدادي والشهرستاني وابن حزم (٥).


(١) ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٢).
(٢) انظر: ((المقالات)) (١/ ١٧٠)، و ((التنبيه والرد)) (ص٥٤)، ((تلبيس إبليس)) (ص٩٥)، ((قواعد الإسلام)) (ص٣٧)، ((الإيمان)) (ص٢٠٢)، ((الفصل)) (٤/ ٤٥)، ((إبانة المناهج)) (ص١٦٣)
(٣) [٨٥٣٨])) ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٨).
(٤) [٨٥٣٩])) كتاب ((الأديان)) (ص١٠٤).
(٥) [٨٥٤٠])) انظر: ((المقالات)) (١/ ١٨٢)، ((الفرق بين الفرق)) (ص١٠٣)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٣)، ((الفصل)) لابن حزم (٤/ ١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>