للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن الأزارقة هم أول من كفر مرتكب المعاصي من الخوارج، بل إن ذلك الحكم عند المحكمة الأولى الذين يسميهم الملطي بالشراة، ويذكر عنهم بأنهم يكفرون أهل الكبائر والمعاصي، فإذا كانت المحكمة تكفر بالمعاصي، فإن الأزارقة قد قالوا بقولهم أيضاً، ولم يشتهر القول بتكفير المحكمة لأهل الذنوب كاشتهاره عند الأزارقة. قال الملطي: "والشراة كلهم يكفرون أصحاب المعاصي ومن خالفهم في مذهبهم، مع اختلاف أقاويلهم ومذاهبهم" (١).ومثل هذا عند البغدادي أيضا، فقد ذكر عن المحكمة الأولى أنهم يكفرون أهل الكبائر وخيار الصحابة رضوان الله عليهم بقوله: "فهذه قصة المحكمة الأولى وكان دينهم إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية وأصحابه والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وإكفار كل ذي ذنب ومعصيته" (٢).وتكفير أهل الذنوب هو رأي الشبيبية من البيهسية، إلا أنها غالت فيه، فحكمت بالكفر على من اجترح ذنبا، ولو كان جاهلاً الحكم فيه، فقالوا: إن من "واقع حراماً لم يعلم تحريمه فقد كفر" (٣).ونجد نحو هذه المقالات عند يزيد بن أنيسة وأصحابه حيث يكفرون كل مذنب، حتى مرتكب الصغيرة، فعنده أن "أصحاب الحدود من موافقيه وغيرهم كفار مشركون، وكل ذنب صغير أو كبير فهو شرك" (٤).

أما النجدات فقد فصلوا القول في مرتكب الذنوب وجزائه، وذلك باختلاف حاليه: الإصرار على الذنب وعدمه، فهم يرون أن من ارتكب من المعاصي شيئاً وهو مصر عليه فهو كافر مشرك، ولو كانت هذه المعاصي من صغائر الذنوب، كالنظرة الصغيرة، والكذبة الصغيرة، وأن من ارتكب من تلك المعاصي شيئاً وهو غير مصر عليه فهو مسلم، ولو كانت هذه المعاصي من كبائر الذنوب كالزنى والسرقة وشرب الخمور وغيرها. يقول الأشعري: "وزعموا أن من نظر نظرة صغيرة، أو كذب كذبة صغيرة، ثم أصر عليها فهو مشرك، وأن من زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم" (٥). وكذا عند البغدادي والشهرستاني وابن حزم.


(١) [٨٥٤١])) ((التنبيه والرد)) (ص٥١).
(٢) [٨٥٤٢])) ((الفرق بين الفرق)) (ص٨١).
(٣) [٨٥٤٣])) ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٧).
(٤) [٨٥٤٤])) ((رسالة الدبسي)) (ص٢٨)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٣٦).
(٥) ((المقالات)) (١/ ١٧٥)، ((الفرق بين الفرق)) (ص٨٩)، ((الملل والنحل)) (١/ ١٢٤)، ((الفصل)) (٤/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>