قال ابن رشد:(فهو لفظ مموه إذا حقق لم يكن تحته معنى إلا أنه فعل وضعي مثل ما نقول: جرت عادة فلان أن يفعل كذا وكذا يريد أنه يفعله في الأكثر، وإن كان هذا هكذا كانت الموجودات كلها وضعية ولم يكن هناك حكمة أصلاً من قبلها ينسب إلى الفاعل أنه حكيم)، ويبين ابن رشد استخدامات هذا اللفظ ما يجوز منها وما لا يجوز فيقول:( .. ومحال أن يكون لله تعالى-عادة، فإن العادة ملكة يكتسبها الفاعل، توجب تكرر الفعل منه على الأكثر) ولكن يجوز بدلاً من كلمة العادة بالنسبة لله أن يستخدم كلمة (السنة) فيقول: ( .. والله عز وجل يقول: (ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلاً) فهو يرى أن كلمة السنة بالنسبة لله لا تتبدل ولا تتحول أبدًا ودائمًا، أما (كلمة عادة) فإنها لم تطلق على الله في الكتاب ولا في السنة وهي لا تفيد إلا الأكثر وتدل على الملكة المكتسبة وكل ذلك لا يليق بالله سبحانه.
ويؤيد ابن حزم هذا المعنى السابق بقوله:( .. وهذا المذهب الفاسد حداهم على أن سموا ما تأتي به الأنبياء من الآيات المعجزات خرق العادة لأنهم جعلوا امتناع شق القمر، وشق البحر وسائر معجزاتهم إنما هي عادات فقط فمعاذ الله من هذا، ولو كان ذلك عادته لما كان فيها إعجاز أصلاً لأن العادة في لغة العرب الدأب والدين والديدن ألفاظ مترادفة على معنى واحد في أكثر استعمال الإنسان له مما لا يؤمن تركه إياه ولا ينكر زواله عنه بل هو ممكن وجود غيره ومثله بخلاف الطبيعة التي الخروج عنها ممتنع .. )
وعلى هذا لا يصح أن يطلق على خلق الله للأشياء والمسببات عادة، وكذلك على الأثر الطبائعي لأن أثرها يبقى مستمرًا ما بقيت هي ولهذا يتساءل ابن رشد عن معنى عقيدة العادة فيقول:( .. فما أدري ما يريدون باسم العادة؟ هل يريدون أنها عادة الفاعل أو عادة الموجودات) ويخلص إلى نتيجة مفادها ( .. وإن أرادوا أنها عادة الموجودات فالعادة لا تكون إلا لذي النفس، وإن كانت في غير ذي النفس فهي في الحقيقة طبيعية) وهذا تفريق منه بين العادة والطبع فالعادة في كل ذي نفس، والطبع في كل ذي غير نفس وإن كان يلحق أيضًا بكل ذي نفس (وإما أن تكون عادة لنا في الحكم على الموجودات هذه العادة ليست شيئًا أكثر من فعل العقل الذي يقتضية طبعه وبه صار العقل عقلاً) فكأن عادة العقل هي طبعه وهو الفعل الصادر عنه وهو الذي أطلق عليه الأشاعرة العادة واعتبروه جائزًا لا ضروريًا واعتبره غيرهم ضروريًا واجبًا وهو الأثر الذي يتركه السبب في مسببه وهي السببية.
ومن هنا يتضح لنا خطورة استخدام كلمات معينة لم تأت في الشريعة ومنحها مفهومًا عقديًا؛ ثم الحكم على مَنْ خالف في هذا المفهوم. وقد يقال: لا مشاحة في الاصطلاح. ولكن إذا فهم المعنى، تقلصت الفتنة وخاصة في مجال الدين والاعتقاد.