للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصه]

وبناءً على ما قدمنا من أن الخوارج يقولون باعتبار العمل جزءاً من الإيمان، يقوم رأيهم في مسألتي زيادة الإيمان ونقصه وحكم مرتكب الكبيرة، وسوف نبين رأيهم في حكم مرتكب الكبيرة في الفصل التالي.

أما فيما يتعلق بالمسألة الأولى وهي زيادة الإيمان ونقصه، فإن الخوارج ينقسمون فيها إلى فريقين: الإباضية منهم بصفة خاصة، وبقية غيرهم من الخوارج بصفة عامة، فغير الإباضيين من الخوارج يرون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهو إما أن يبقى كله، وإما أن يذهب كله (٨)، وذهاب الإيمان عندهم يكون بنقص بعض الأعمال، أو ارتكاب بعض الكبائر، وعلى هذا فإن نقص البعض يؤدي إلى ذهاب الكل في نظرهم.

وقد سبق أن ذكرنا عند عرضنا لحقيقة الإيمان عندهم ما أثبته ابن حزم عنهم من أنهم "يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال"، أي أنه ليس هناك زيادة ولا نقص فيه. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض بيانه لأهل البدع في زيادة الإيمان ونقصانه: "وأما قول القائل: إن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله، فهذا ممنوع، وهذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان، فإنهم ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله، لم يبق منه شيء، ثم قالت الخوارج والمعتزلة: هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق، كما قال أهل الحديث، قالوا: فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء، فيخلد في النار" (١).

ويستطرد ابن تيمية في هذا الموضوع، ويكرر أن رأي الخوارج هو القول بذهاب الإيمان جملة عن أهل الذنوب، وأنهم متى خرجوا عن الإيمان خرجوا عن الإسلام أيضاً، إذ لا فرق بين الإسلام والإيمان عندهم فيقول: "وأما الخوارج والمعتزلة فيخرجونهم من اسم الإيمان والإسلام، فإن الإيمان والإسلام عندهم واحد، فإذا خرجوا عندهم من الإيمان خرجوا من الإسلام.

ومما يجدر ذكره هنا أن الخوارج وإن أشبهوا المعتزلة في قولهم بعدم زيادة الإيمان ونقصه، وخروج مرتكب الكبيرة من مفهوم الإيمان، إلا أن المعتزلة يجعلونه في منزلة بين المنزلتين، ويحكمون عليه بالخلود في النار، وأما الخوارج فإنهم يحكمون عليهم بالكفر، كما سنفصل رأيهم بعد قليل في حكم مرتكب الكبيرة. ويقول بدر الدين الحنبلي في مختصره لفتاوى ابن تيمية عن رأي الخوارج في زيادة الإيمان ونقصه: "فأولئك – يعني بهم الخوارج والمعتزلة – اعتقدوا أن الإيمان متى ذهب بعضه ذهب جميعه" (٢).

وعلى هذا فإن الإيمان عندهم لا ينقص بالمعصية، بل إن الشخص يخرج عن الإيمان ويحبط ما قدم من خير بمجرد أن يرتكب أي كبيرة؛ لأن الإيمان إما أن يبقى جملة أو يذهب جملة، فلا زيادة ولا نقص ولا مغفرة لكبيرة، فهي تهدم الإيمان ولا تنقصه. كما يقول أيضاً في تأكيد ما سبق: "وخالف الخوارج والمعتزلة فقالوا: إن من أتى كبيرة استحق العقوبة حتماً، فتحبط جميع حسناته بتلك الكبيرة، ويستحق التخليد في النار، لا يخرج منها بشفاعة ولا غيرها" (٣).


(١) [٨٤٩٩])) ((الإيمان)) (ص ١٨٦)
(٢) [٨٥٠٠])) ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص ٢٠٤)
(٣) ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص ٥٧٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>