للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث: صور من انحرافات المعتزلة عن السنة إن موقف المعتزلة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم المجافي لما قررته السنة وبينه القرآن العزيز من وجوب احترامهم وإكبارهم وإن كذبهم في الأحاديث المنافي مع وعيد الرسول للكذابين عليه وهو القائل ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (١) وهو حديث متواتر يقول عنه ابن الجوزي قد رواه الصحابة ثمانية وتسعون صحابيا وإن إنكارهم أو تشكيكهم في بعض الأحاديث، وإبطالهم قبول المتواتر والآحاد، هذه المواقف جميعها تعتبر انحرافا عن السنة ومجافاة للسلوك الذي سن اتباعه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم. . . وقد أوردت من الأدلة ما يثبت هذا الانحراف عن الهدي النبوي.

وفي هذا الفصل نضيف عددا آخر من المواقف والآراء التي آمن بها المعتزلة ووقفوا ينفحون عنها ويعضدونها بأدلتهم العقلية:

أ- وجوب معرفة الله بالدليل: لقد كان الإيمان بالله في عهد الرسول والصحابة بسيطا غير معقد، حتى إذا ما نشأت فرقة المعتزلة أدخلت مباحث غريبة عن الإسلام متأثرة بالمذهب والمقولات الفلسفية، وكان البحث في معرفة الله بالدليل وإيقاف صحة الإيمان على ذلك من بين تلك الموضوعات التي أحدثتها المعتزلة، وبذلك فرضوا على الفرق الأخرى النظر فيها، وقد ورثها عنهم الأشاعرة رغم انفصالهم عن المعتزلة، فقد جاء عن أبي جعفر السماني – وهو من كبار الأشاعرة – قوله: (إن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب) (٢) أي المذهب الأشعري. ولشدة تعلق المعتزلة بهذا المبحث فإنهم جعلوه منضوبا تحت مفهوم الإيمان فهذا أبو شمر يزعم (أن المعرفة بالله وبما جاء من عنده. . . ومعرفة التوحيد والعدل، عدل الله سبحانه، ونفي التشبيه عنه، كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر) (٣).وشغفهم هذا دفع بالقاضي عبد الجبار إلى أن يستشهد بحديث ينكره الرواة كما يقول فؤاد السيد (٤) ليبرر ما ذهب إليه المعتزلة من وجوب معرفة الله: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس لا يعذر بجهلهن أحد، معرفة الله تعالى أن يعرفه ولا يشبه به شيئا)) (٥).


(١) رواه البخاري (١٢٩١) , ومسلم (٣) , من حديث المغيرة رضي الله عنه.
(٢) ((فتح الباري)) (١/ ٧٧).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (٢/ ١٧١).
(٤) ((فضل الاعتزال)) (هامش رقم ٥٥).
(٥) ((فضل الاعتزال)) (١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>