بعد أن عرضنا بعض الجوانب العامة لتلك النحلة البهائية والتي تعتبر امتدادا للحركة البابية – بعد ذلك نقف معها هنا لنوضح بطلانها على ضوء ما تقدم من جوانبها.
أولا: حياة البهاء كانت شبيهة بحياة سلفه الباب من حيث النشأة الصوفية التي عاشها كل منهما حيث رأينا من قبل أنه كان (معدودا من كبار المتصوفة وشيوخهم) ولعل ذلك الاتجاه الصوفي كان له أثر كبير في توجيهه إلى ذلك الانحراف والخروج على عقيدة المسلمين بدعوى النبوة؛ إذ إن المجاهدات الصوفية التي يعيشها أهل التصوف قد تؤثر على أعصاب من يبالغ فيها لشدة الجوع والألم الذي يعانيه ذلك المتصوف.
زد على ذلك مخالطته لأستاذه الباب وانخداعه بأفكاره وآرائه.
ثانيا: إن أول ما ظهر به البهاء هو دعواه أنه المسيح ابن مريم وذلك لأنه يعلم أن المسلمين يعتقدون عودة المسيح عليه السلام إلى هذه الأرض فظن أنه لو ادعى أنه هو المسيح لانخدعوا بدعواه تلك إذ ليست أقل من ادعاء سلفه الباب حينما ادعى أنه المهدي الموعود فكان له أتباع وأنصار، علما بأن صفات المهدي عند كلا المذهبين – السني والشيعي – لا تنطبق على الباب فما المانع أن يدعي هو أنه المسيح فادعى ذلك وقال:(قال يا قوم قد رجع الروح مرة أخرى ليتم ما قال) وقال: (اعلم بأن الذي صعد إلى المساء قد نزل بالحق) وهو يعلم كذب تلك الدعوى كما يعلمها كل إنسان له عقل إذ كيف أن الذي صعد نزل مع أن هذا الميرزا حسين معروف أنه ولد على الأرض بين الشيعة أنفسهم وتنقل بين مخابئ التصوف فكيف يدعي أنه هو المسيح نزل مرة أخرى، ولكن التأويل الآثم الذي فتحته الباطنية المجوسية هو القاعدة الأساسية لكل دعوة تريد أن تخرج على الدين فإنها تستطيع أن تدعي لكل آية ظاهرا هو ما فهمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده وباطنا وهو ما علمه فروخ مزدك وأحفاد ماني وبذلك تكون أفهامهم وعقولهم أصدق وأعلم من فهم وعقل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وهذا المسلك – مسلك الباطن والظاهر– لو سلكه الناس في أي شيء من حياتهم لاختلت موازين الحياة ومفاهيمها إذ كل إنسان يستطيع أن يدعي لكل قول يقوله أو يقال له إن له ظاهرا وباطنا حتى مع هؤلاء الباطنيين ويقال للباطن كذلك إن له باطنا وللباطن باطنا وهكذا .. وهكذا سلسلة من المغالطات والمعارضات ليس لها رصيد من نقل ولا عقل ولو سلمنا لهذا المدعي أنه المسيح فما علامة صدقة؟ نحن نعلم من الآثار الواردة عن المسيح عليه السلام أنه ينزل في دمشق وأنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقتل الدجال وتنزل الأمنة في عصر .. إلخ تلك الصفات التي وردت فيه فأين هي في ذلك الدعي؟ ثم إنه لما علم أن المسيح لا ينسخ الإسلام بل يعمل به ويقيم شرعه– وهو مرسل لنسخ الإسلام– ادعى النبوة استقلالا، وأن الله عز وجل قد تراجع عن ختم النبوة بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ففتحها للبهاء كما زعم ذلك حيث قال (لا تحسبن أنا أنزلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار يشهد بذلك ما نزل من قلم الوحي).