للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: القدرة والاستطاعة الاستطاعة والطاقة والقدرة والوسع ألفاظ متقاربة المعنى وضدها العجز عرفها المتكلمون بأنها: "صفة وجودية يتأتى معها الفعل بدلا عن الترك والترك بدلا عن الفعل" (١).ومسألة الاستطاعة أو القدرة من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الفرق الإسلامية تبعا للخلاف الواقع في القدر فالذين قالوا بالجبر - وهم الجهمية ومن وافقهم - قالوا بنفي الاستطاعة لا مع الفعل ولا قبله وذلك لأن العبد عندهم لا اختيار له (٢). والذين قالوا بنفي القدرة وأن العبد خالق لفعله - وهم المعتزلة ومن وافقهم - أثبتوا الاستطاعة قبل الفعل ونفوا أن تكون معه (٣) والذين قالوا بالكسب - وهم الأشاعرة ومن وافقهم - قالوا بأن الاستطاعة تكون مع الفعل لا قبله (٤).

وأما جمهور الماتريدية فقد توسطوا في المسألة فقالوا بإثبات الاستطاعة قبل الفعل ومعه فقالوا بأن الاستطاعة تقع على نوعين:

الأولى: سلامة الأسباب والآلات وهي تتقدم الفعل.

الثانية: الاستطاعة التي يتهيأ بها الفعل وهي تتقدم الفعل.

قال الماتريدي: " الأصل عندنا في المسمى باسم القدرة أنها على قسمين: أحدهما: سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي تتقدم الأفعال. والثاني: معنى لا يقدر على تبين حده بشيء يصار إليه سوى أنه ليس إلا للفعل لا يجوز وجوده بحال إلا ويقع به الفعل عندما يقع معه" (٥). قال أبو المعين النسفي: " ثم الاستطاعة والطاقة والقدرة والقوة إذا أضيفت إلى العبد يراد بها كلها معنى واحد في مصطلح أهل الأصول.

ثم الاستطاعة عندنا قسمان:

أحدهما: سلامة الأسباب والآلات وصحة الجوارح والأعضاء وهي المعنية بقوله تعالى وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:٩٧] وبقوله تعالى فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:٤] وبقوله تعالى خبرا عن أهل النفاق لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة:٤٢] أي لو كانت لنا الآلات والأسباب. وصحة التكليف تعتمد هذه الاستطاعة ...


(١) ((المواقف)) (٢/ ٢٢٩)، ط الآستانة ١٣١١ هـ. وانظر ((المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين)) للآمدي ت عبد الأمير الأعسم (ص ١٢٧)، ((التعريفات)) للجرجاني ت الأبياري (ص ٣٥).
(٢) ((الملل والنحل)) للشهرستاني (ص ٣٦)، ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٣١٢)، ((الفرق بين الفرق)) (ص ١٢٨)، ط الكوثري، ((التبصير في الدين)) (ص ٩٦)، ((أصول الدين)) للبغدادي (ص ٣٣٣)، ((البدء والتاريخ)) (٥/ ١٤٦)، ((الغنية)) (١/ ٩٤).
(٣) ((مقالات الإسلاميين)) (١/ ٣٠٠)، ((في التوحيد)) للنيسابوري (ص ٣٦٦ - ٣٧٠)، ((شرح الأصول الخمسة)) (٣٩٠)، ((المحيط بالتكليف)) (١/ ٣٥١، ٣٥٢)، كتاب ((الشافي)) لابن حمزة (٢/ ٢١٩، ٣/ ٥ - ٨).
(٤) ((الإنصاف)) (ص ٤٦)، ((التمهيد)) ط حيدر: (ص ٣٢٣ – ٣٢٥)، ((محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين)) (ص ١٥٢)، ط دار الكتاب العربي، ((شرح السنوسية الكبرى)) (ص ٢٧٨)، دار القلم، ((موقف ابن تيمية من الأشاعرة)) (ص ١٤٠٦).
(٥) ((التوحيد)) (ص ٢٥٦،٢٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>