للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية: الاستطاعة التي هي حقيقة القدرة التي يتهيأ بها الفعل وهي المعنية بقوله تعالى: وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ [هود:٢٠] ألا ترى أن الله تعالى قد ذمهم بذلك والذم إنما يلحقهم بانعدام حقيقة القدرة عند وجود سلامة الأسباب وصحة الآلات لا بانعدام سلامة الأسباب وصحة الآلات لأن انتفاء تلك الاستطاعة لا يكون بتضييعه بل هو في ذلك مجبور فلم يلحقهم الذم بالامتناع عن الفعل عند انتفائها وكذا هي المعنية بقول صاحب موسى عليهما السلام: قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف:٦٧] وقوله: قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا [الكهف:٧٥] إذ لو كان المراد بها سلامة الأسباب والآلات لما عاتبه على ترك الصبر. والاستطاعة الثانية عرض تحدث عندنا مقارنة للفعل ... " (١).

وقول جمهور الماتريدية في الاستطاعة هو القول الحق الذي دلت عليه الأدلة وهو قول أهل السنة والجماعة. قال الطحاوي رحمه الله: " والاستطاعة التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف به المخلوق به تكون مع الفعل وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكين وسلامة الآلات فهي قبل الفعل وبها يتعلق الخطاب ... " (٢).

قال الشارح: " والذي قاله عامة أهل السنة أن للعبد قدرة هي مناط الأمر والنهي وهذه قد تكون قبله لا يجب أن تكون معه والقدرة التي بها الفعل لابد أن تكون مع الفعل لا يجوز أن يوجد الفعل بقدرة معدومة

وأما القدرة التي من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فقد تتقدم الأفعال وهذه القدرة المذكورة في قوله تعالى: وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:٩٧] وكذلك قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:١٦] وكذا قوله تعالى فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [المجادلة:٤] والمراد منه استطاعة الأسباب والآلات ... وأما دليل ثبوت الاستطاعة التي هي حقيقة القدرة فقد ذكروا فيها قوله تعالى: مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ [هود:٢٠] المراد نفي حقيقة القدرة لا نفي الأسباب والالات ... " (٣).

وبهذا التفصيل ينحل الإشكال الذي وقعت فيه الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ومن وافقهم


(١) ((التمهيد)) (ص ٥٣، ٥٤)، وانظر ((تبصرة الأدلة)) (ل ٣٣١ وما بعدها) ((النور اللامع)) (ل ١١٣، ١١٤)، ((جامع المتون)) (ص ١٨، ١٩)، ((شرح العقيدة الطحاوية)) للميداني الحنفي (ص ١٢٠، ١٢١).
(٢) ((شرح الطحاوية)) (ص ٤٩٩).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (٤٩٩ - ٥٠١)، وانظر ((الدرء)) (١/ ٦٠ - ٦٢)، ((الفتاوى)) (٨/ ١٢٩، ١٣٠، ٢٩٠ - ٣٠٢، ٣٧١ - ٣٧٧، ٣٩٠ - ٣٩٢، ٤٦٩ - ٤٧٤، ٤٧٩، ٤٨٠، ١٨/ ١٧٢، ١٧٣)، ((القضاء والقدر))، المحمود (ص ٢١٢ - ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>