للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أولا: ما تثبت به النبوة عند الماتريدية]

يرى الماتريدية أن إثبات صدق الرسل والأنبياء يقوم على النظر في صفات الأنبياء الخلقية والخلقية قبل الرسالة وبعدها وعلى تأييد الله لهم بالمعجزات الدالة على صدقهم.

قال في كتاب (التوحيد): "ثم الأصل عندنا في إعلام الرسل وجهان:

أحدهما ظهور أحوالهم على جهة تدفع العقول عنهم الريبة وتأبى فيهم توهم الظنة بما صحبوهم في الصغر والكبر فوجدوهم طاهرين أصفياء أتقياء بين أظهر قوم ما احتمل التسوية بينهم على ذلك ولا تربيتهم تبلغ ذلك على ظهور أحوالهم لهم وكونهم بينهم في القرار والانتشار فيعلم بإحاطة أن ذلك حفظ من يعلم أنه يقيمهم مقاما شريفا ويجعلهم أمناء على الغيوب والأسرار وهذا مما تميل إلى قبوله الطبيعة ويستحسن جميع أمورهم العقل فيكون الراد عليه يرد بعد المعرفة رد تعنت له .. والثاني مجيء الآيات الخارجة عن طبائع أهل البصر في ذلك النوع الممتنعة عن أن يطمع في مثلها أو يبلغ بكنهها التعلم مع ما لو احتمل أن يبلغ أحد ذلك بالتعلم والاجتهاد فإن الرسل بما نشؤوا لا في ذلك وربوا لا به يظهر أنهم استفادوه بالله أكرمهم بذلك لما يجعلهم أمناء على وحيه" (١) وأما جمهور الماتريدية فيرون أنه لا دليل على صدق النبي غير المعجزة بحجة أن المعجزة وحدها هي التي تفيد العلم اليقيني بثبوت نبوة النبي أو الرسول. قال البزدوي: " ... لا يتصور ثبوت الرسالة بلا دليل فيكون الثبوت بالدلائل وليست تلك الدلائل إلا المعجزات فثبتت رسالة كل رسول بمعجزات ظهرت على يديه فكانت معجزات موسى عليه السلام العصا واليد البيضاء وغيرهما من المعجزات ومعجزات عيسى عليه السلام إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك ومعجزات محمد عليه السلام القرآن فإن العرب بأجمعهم مع فصاحتهم عجزوا عن الإتيان بمثله ... فعجزوا عن ذلك فكانت المعجزات دليل صدق دعواهم الرسالة فإن ما ظهر ليس في وسع بشر فعلم أن الله هو المنشئ وإنما ينشئها لتكون دليلا على صدق دعواه فإن قوم كل رسول سألوا منه دلائل صدقه فدعا الله تعالى ليؤيده بإعطاء ما طلبوا منه فلما أعطاه دليل صدقه الذي طلب منه قومه صار ذلك دليل صدقه من الله تعالى فإن الله لا يؤيد الكاذب ...... ولابد للناس من معرفة الرسل ولا طريق للمعرفة سوى المعجزات ... " (٢).وقال أبو المعين النسفي: " ... إذا جاء واحد وادعى الرسالة في زمان جواز ورود الرسل ... لا يجب قبول قوله بدون إقامة الدليل .... لما أن تعين هذا المدعي للرسالة ليس في حيز الواجبات لانعدام دلالة العقل على تعينه فبقي في حيز الممكنات وربما يكون كاذبا في دعواه فكان القول بوجوب قبول قوله قولا بوجوب قبول قول من يكون قبول قوله كفرا وهذا خلف من القول وإذا لم يجب قبول قوله بدون الدليل يطالب بالدليل وهو المعجزة ... " (٣). وقال الناصري: " فالمعجزة توجب علم اليقين بنبوة الرسل بواسطة التأمل وترك الإعراض عن النظر فيها وإنما جهل من جهل بعد ظهور آيات الرسل بترك التأمل ولم يعذر بالترك لأن العقل مما يلزمه التأمل فيها لأنه حجة من حجج الله تعالى وهي تتعاضد ولا تتضاد ولو كانت الحجج موجبة للعلم جبرا لما تعلق بها ثواب ولا عقاب فالمعجزة رأس الحجج وهي تزداد عند البحث والتأمل إيضاحا واستنارة وقوة ووكادة " (٤)


(١) ((التوحيد)) (ص ١٨٨، ١٨٩)، وانظر (ص ٢٠٢ - ٢١٠).
(٢) ((أصول الدين)) (ص ٩٧، ٩٨).
(٣) ((التمهيد)) (ص ٤٤ - ٤٦)، ((تبصرة الأدلة)) (ل٢٨٦) وما بعدها وانظر ((بحر الكلام)) (ص ٦١، ٦٢) ((النور اللامع)) (ل ١٢).
(٤) ((النور اللامع)) (ل ١٤، ١٥). وانظر (ل ٦، ٩ - ١٢، ٦٤، ١٠٣، ١٠٥، ١٢٢) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>