[المطلب الحادي عشر: اقتداء علي بالصديق في الصلوات وقبوله الهدايا منه]
هذا ونذكر بعد ذلك أن علياً رضي الله عنه كان راضياً بخلافة الصديق ومشاركاً له في معاملاته وقضاياه، قابلاً منه الهدايا، رافعاً إليه الشكاوى، مصلياً خلفه، عاملاً معه المحبة والأخوة، محباً له، مبغضاً من يبغضه.
وشهد بذلك أكبر خصوم الخلفاء الراشدين وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بهديهم، وسلك بمسلكهم، ونهج بمنهجهم.
فالرواية الأولى التي سقناها قبل ذلك أن علياً قال للقوم حينما أرادوه خليفة وأميراً: وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" (نهج البلاغة) (ص١٣٦) تحقيق صبحي صالح).ويذكرهم بذلك أيام الصديق والفاروق حينما كان مستشاراً مسموعاً، ومشيراً منفذاً كلمته كما يروي اليعقوبي الشيعي الغالي (١) في تاريخه وهو يذكر أيام خلافة الصديق: "وأراد أبو بكر أن يغزو الروم فشاور جماعة من أصحاب رسول الله، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبي طالب فأشار أن يفعل، فقال: إن فعلت ظفرت؟ فقال: بشرت بخير، فقام أبو بكر في الناس خطيباً، وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم (تاريخ اليعقوبي) (ص١٣٢، ١٣٣) ج٢ ط بيروت ١٩٦٠م).
وفي رواية: "سأل الصديق علياً كيف ومن أين تبشر؟ قال: من النبي حيث سمعته يبشر بتلك البشارة، فقال أبو بكر: سررتني بما أسمعتني من رسول الله يا أبا الحسن! يسرّك الله" (تاريخ التواريخ) ج٢ كتاب (٢ ص١٥٨) تحت عنوان "عزام أبي بكر").
ويقول اليعقوبي أيضاً: وكان ممن يؤخذ عنه الفقه في أيام أبي بكر علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود" (تاريخ اليعقوبي) (ص١٣٨ ج٢).
فقدم علياً على جميع أصحابه، وهذا دليل واضح على تعاملهم مع بعضهم وتقديمهم علياً في المشورة والقضاء,
(وفي هذا المعنى توجد روايات كثيرة عندنا أن أبا بكر استشار أصحابه في مسائل ومشاكل وفيمن استشارهم كان علياً رضي الله عنه، فقدم رأيه على آرائهم، انظر لذلك البداية والنهاية لابن الكثير ورياض النضرة لمحب الطبري وكنز العمال وتاريخ الملوك والأمم للطبري وتاريخ ابن خلدون وغيرها من الكتب، ولكنا لما عاهدنا أن لا نذكر شيئاً إلا من كتب القوم أعرضنا عن سردها).
ويؤيد ذلك الشيعي الغالي محمد بن النعمان العكبري الملقب بالشيخ المفيد حيث بوّب باباً خاصاً في كتابه (الإرشاد) قضايا أمير المؤمنين عليه السلام في إمارة أبي بكر.
(١) هو: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر الكاتب العباسي الشيعي، "كان جده من موالي أبي المنصور، وكان رحالة يحب الأسفار، ساح في بلاد الإسلام شرقاً وغرباً، ودخل أرمينية سنة ٢٦٠، ثم رحل إلى الرمنه وعاد إلى مصر وبلاد المغرب، فألف في سياحة البلاد كتاب ((البلدان)) وله تاريخ معروف بالتاريخ اليعقوبي إلى غير ذلك، توفي سنة ٢٨٤" ((الكني والألقاب)) (٣/ ٢٤٦). "وأما صاحب الأعيان فعده في طبقات المؤرخين من الشيعة" ((أعيان الشيعة)).