هذا ومثل ذلك روى نصر بن مزاحم, هو: أبو الفضل نصر بن مزاح التميمي الكوفي الملقب بالعطار "إنه من جملة الرواة المتقدمين، بل الواقعة في درجة التابعين وطبقة الثلاثة الأوائل من الأئمة الطاهرين" (روضات الجنات) (٨/ ١٦٦).
وقال النجاشي: مستقيم الطريقة، صالح الأمر، صاحب كتاب (صفين) و (الجمل) و (مقتل الحسين) وغيرها من الكتب (النجاشي (ص٣٠١ و٣٠٢) الشيعي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أرسل حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن سمط ومعن بن يزيد ليطالبوه بقتلة عثمان ذي النورين رضي الله عنه، فرد عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد الحمدلة والبسملة "أما بعد! فإن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فأنقذ به من الضلالة وأنعش به من المهلكة وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، ثم استخلف أبو بكر عمر وأحسنا السيرة، وعدلا في الأمة .. ثم ولي أمر الناس عثمان، فعلم بأشياء عابها الناس عليه، فسار إليه ناس فقتلوه، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم، فقالوا لي: بايع، فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فإن الأمة لا ترضى إلا بك، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم" كتاب (صفين) ط إيران (ص١٠٥).
ولقد ذكر المؤرخ الشيعي أن أبا بكر رضي الله عنه لما أراد استخلاف عمر بعده اعترض عليه بعض من الناس. فقال علي لطلحة، لو استخلف أبو بكر أحداً غير عمر لما نطيعه (تاريخ روضة الصفا) فارسي (ص٢٠٦) ط بمبئي)
فبايعتموني كما بايعتم أبا بكر وعمر وعثمان، فما جعلكم أحق أن تفوا لأبي بكر وعمر وعثمان ببيعتهم منكم ببيعتي" (الأمالي) لشيخ الطائفة الطوسي (٢/ ١٢١) ط نجف).
والطبرسي أيضاً ينقل عن محمد الباقر ما يقطع أن علياً كان مقراً بخلافته، ومعترفاً بإمامته، ومبايعاً له بإمارته كما يذكر أن أسامة بن زيد حب رسول الله لما أراد الخروج انتقل رسول الله إلى الملأ الأعلى فلما وردت الكتاب على أسامة انصرف بمن معه حتى دخل المدينة، فلما أرى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب فقال: ما هذا؟ قال له علي هذا ما ترى، قال أسامة: فهل بايعته؟ فقال: نعم" (الاحتجاج) للطبرسي (ص٥٠) ط مشهد عراق).
ولقد أقر بذلك شيعي متأخر وإمام من أئمة القوم محمد حسين آل كاشف الغطاء بقوله: لما ارتحل الرسول من هذه الدار إلى دار القرار، ورأى جمع من الصحابة أن لا تكون الخلافة لعلي إما لصغر سنه أو لأن قريشاً كرهت أن تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم – إلى أن قال – وحين رأى أن الخليفة الأول والثاني بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجيوش وتوسيع الفتوح، ولم يستأثروا ولم يستبدوا بايع وسالم" (أصل الشيعة وأصولها) ط دار البحار بيروت ١٩٦٠ (ص٩١).
وبقي سؤال فلماذا تأخر عن البيعة أياماً؟ يجيب عليه ابن أبي الحديد "ثم قام أبو بكر، فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة، وأيم الله! ما حصرت عليها يوم قط، ولقد قلدت أمراً عظيماً مالي به طاقة ولا يدان، ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني، وجعل يعتذر إليهم، فقبل المهاجرون عذره، وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا في المشورة وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف له سنه، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي" (شرح نهج البلاغة) لأبي أبي الحديد (١/ ١٣٢).
وأورد ابن أبي الحديد رواية أخرى في شرحه عن عبد الله بن أبي أوفي الخزاعي قال: كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء المدينة وقد بايع الناس أبا بكر، فاحتبس عن أبي بكر فلم يبايعه أياماً وقد بايع الناس وأتى بني هاشم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصادون اللحا، فإذا رضيتم رضينا وإذا سخطتم سخطنا حدثوني إن كنتم قد بايعتم هذا الرجل قالوا: نعم! قال على برد ورضا من جماعتكم؟ قالوا: نعم! قال: فأنا أرضى وأبايع إذا بايعتم أما والله! يا بني هاشم إنكم لطوال الشجر الطيب الثمر، ثم إنه بايع أبا بكر" (شرح نهج البلاغة) (١/ ١٣٤، ١٣٥).
المصدر:الشيعة وأهل البيت لإحسان إلهي ظهير - ص٦١