المطلب الثاني: الغلوّ العملي: إن الغلو العملي يتجسد في طلب الحاجات الدنيوية والأخروية من الأئمة والاستغاثة بهم بصورة مباشرة، كما أن تقبيل الأضرحة هو أمر شائع في مراقد الأئمة والأولياء معاً، حقاً لقد سئمت من المناقشة والمناظرة مع فقهائنا - سامحهم الله - حول تقبيل الأضرحة وطلب الحاجات من الأئمة وقراءة الزيارة أمام قبورهم بدلاً من قراءة القرآن الكريم فلم أسمع منهم إلا تكراراً لكلمات قيلت فقد أرادوا أن يجدوا العذر في تقبيل الأضرحة بتقبيل الرسول الكريم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الحجر الأسود في حين أن عمل الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يعتبر سنة لموقع خاص ومقام خاص حتى أن الخليفة " عمر بن الخطاب " وقف أمام " الحجر " مخاطباً له: (إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولكنني رأيت رسول الله يقبلك فأقبلك)(١) وإن الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يسمح أبداً أن يقبل أحد يده بل كان يصافح زائريه والقادمين إليه كما أننا لم نسمع ولم نقرأ أن الإمام " علياً " سمح لأحد أن يقبل يده أو رداءه وهذا هو الإمام " الصادق " وقد أغضبه رجل عندما أراد أن يقبل عصاه التي يتوكأ عليها بذريعة أنها عصا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال له غاضباً: (ويحك -وهو يشير إلى يده- هذا لحم ودم رسول الله فلماذا تقبل ما لا يضرك ولا ينفعك) ومن الغريب في استدلال علمائنا بتقبيل النبي الكريم للحجر الأسود وجواز تقبيل الأضرحة بالقياس عليه هو أنهم من أشد الناس معارضة للقياس في استنباط الأحكام الشرعية وكما نعرف جعلوا الدليل العقلي بدلاً من القياس في استنباط الأحكام ولكنهم أخذوا به عندما رأوا مصلحة في ذلك، لقد زرت مقابر الأولياء في كثير من البلاد الإسلامية فرأيت الزائرين فيها على النمط الذي نراه في مشاهد أئمتنا ودخلت كنائس المسيحيين في كثير من بلاد العالم فرأيت الناس فيها كما هي فهم يتبركون بتمثال المسيح وبأقدام العذراء, وقد تركوا الله جانباً ويطلبون منهما العون في الدنيا والآخرة، ودخلت معابد البوذيين والشنتو ومعابد الهنود والسيخ فرأيت ما رأيته من قبل في مشاهد المسلمين والمسيحيين معاً في تقديم القربان وطلب الحاجة وتقبيل التماثيل والركوع والخضوع والخشوع أمامها.
وهكذا رأيت البشرية تعوم في سراب من الأوهام وحقاً أكبرت أولئك العلماء من المسلمين أمثال ابن حزم الأندلسي ومن حذا حذوه من الذين منحهم الله عقولاً جبارةً اتخذوها مناراً وهدايةً لهم وللآخرين فسبقوا عصورهم بقرون وقرون ووقفوا موقف الساخر الغاضب من هذه الأعمال، ولنقرأ معاً هذه الآيات البينات وقد عالجت هذه الأمور بصراحة ووضوح: