للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الخامس: موقف السلف من المعتزلة وتأويلاتهم لقد بذل السلف الصالح من أهل السنة والجماعة جهوداً في الرد على هؤلاء العقلانيين ردوداً علمية عظيمة تؤكدها تلك المواقف الثابتة التي تزول الجبال ولا تزول تجاه المعتزلة أيام كانت لهم السلطة والدولة، ومارسوا ضد أهل الحق ألواناً من التعذيب والاضطهاد، فلم يزدهم ذلك إلا ثباتاً على الحق، وصبراً في سبيل نصرة دين الله، يقول الشيخ محمد عبده، "تفرقت السبل بأتباع واصل، وتناولوا من كتب اليونان ما لاق بعقولهم، وظنوا من التقوى أن تؤيد العقائد بما أثبته العلم بدون تفرقة بين ما كان منه راجعاً إلى أوليات العقل، وما كان سراباً في نظر الوهم، فخلطوا بمعارف الدين ما لا ينطبق على أصل من أصول النظر .. وأيدتهم الدولة العباسية وهي في ريعان القوة، وابتدأ علماؤهم يؤلفون الكتب، فأخذ المتمسكون بمذاهب السلف يناضلونهم معتصمين بقوة اليقين، وإن لم يكن لهم عضد من الحاكمين" (١).

وتلك المواقف الصارمة تجاه هؤلاء المبتدعة بدأت بظهور المعتزلة أيام واصل بن عطاء، ومن صورها:- موقف الحسن البصري من واصل حيث طرده من حلقته العلمية (٢).- موقف الإمام أحمد بن حنبل الذي تعرض للسجن والتعذيب على أيدي المعتزلة، ومع ذلك كان – رحمه الله – يفتي بأنه "لا يصلى خلف القدرية والمعتزلة" (٣).- ومنه موقف الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – وقد سئل عن تزويج القدري، فقال: وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ [البقرة: ٢٢١] (٤).- وعن الإمام مالك عن عمه أبي سهيل قال: سمعت عمر بن عبدالعزيز يقول في القدرية: "أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا، قال أبو سهيل: وذلك رأيي، قال مالك: وذلك رأيي." (٥) - "قال رجل للإمام عبدالله بن إدريس: يا أبا محمد إن قبلنا ناساً يقولون: إن القرآن مخلوق، فقال: من اليهود؟ قال: لا. قال: فمن النصارى؟ قال: لا. قال: فمن المجوس؟ قال: لا. فقال: فممن؟ قال: من الموحدين، قال: كذبوا هؤلاء ليسوا بموحدين، هؤلاء زنادقة، من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق،، ومن زعم أن مخلوق فقد كفر، هؤلاء زنادقة، هؤلاء زنادقة" (٦).- "وعن معاذ بن معاذ قال: صليت خلف رجل من بني سعد ثم بلغني أنه قدري، فأعدت الصلاة بعد أربعين سنة، أو ثلاثين سنة" (٧) عن أبي عوانة قال: "ما رأيت عمرو ابن عبيد ولا جالسته قط إلا مرة واحدة، فتكلم وطول ثم قال حين فرغ: لو نزل من السماء ملك مازادكم على هذا، فقلت: غيري من عاد إليك" (٨).


(١) ((رسالة التوحيد)) (ص١٥) /القاهرة/ مطبعة المنار ط٦/ ١٣٥١هـ/ تعليق: محمد رشيد رضا.
(٢) انظر ((الفرق بين الفرق)) (ص ١١٨)، و ((سير أعلام النبلاء)) (٥/ ٤٦٤).
(٣) ((السنة)) لعبدالله برقم ٨٣٣، واللالكائي: (١٣٥٤) بإسناد صحيح.
(٤) ابن أبي عاصم: (١٩٨)، واللالكائي: (١٣٥٢) بإسناد صحيح.
(٥) ((السنة)) لابن أبي عاصم برقم (١٩٩).
(٦) ((السنة)) لعبدالله برقم (٢٩ - أ)، واللالكائي: (٤٣٢) وإسناده صحيح.
(٧) ((السنة)) لعبدالله برقم (٨٣٩)، واللالكائي برقم (١٣٥٥).
(٨) ((السنة)) برقم (٩٧٠)، وابن حبان ((المجروحين)) (٢/ ٧١) وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>