ولكن في التصوف الشيطاني فإن الولاية لها معنى آخر تماماً في الشكل المضمون والموضوع، فولي الله عند الصوفية الزنادقة من اختاره الله وجذبه إليه، وليس من شرط ذلك أن يكون عند هذا المختار والمجذوب أية مواصفات للصلاح والتقوى إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب، وبغير حكمة، ويجعلون الولاية الكسبية هي ولاية العوام والمتنسكين والولاية الحقيقية عندهم هي الولاية الوهبية، يستدلون لذلك بمثل قوله تعالى: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء [البقرة:١٠٥] فيقولون:
الولاية اختصاص وهذا تلبيس منهم لأن اختصاص الله من يشاء برحمته لا يكون إلا لحكمة وأسباب اقتضت ذلك كما قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:٣٥] فجعل سبحانه وتعالى تقواه واتخاذ الوسيلة منه هي الطريق الموصل لرحمته فيستحيل أن تكون رحمة الله التي يختص بها من يشاء كائنة دون حكمة لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أين يجعل رسالته وأين يضع هدايته كما قال تعالى: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:١٢٤] وقال تعالى: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام:٥٣].فأخبر سبحانه رداً على الكفار الذين احتقروا المؤمنين لفقرهم وقالوا: كيف يرزقهم الله التقوى ونحن أكرم على الله منهم لأنه رزقنا الأموال والأولاد. قال تعالى: أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [الأنعام:٥٣] سبحانه وتعالى إنه أعلم من يوفق لهدايته وهم الذين يحكمون بواجب شكره سبحانه وتعالى ولذلك عبد الرسول ربه حتى أتاه اليقين وهو الموت، وقام من الليل حتى تفطرت قدماه وقيل له: يا رسول الله تفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) (١)(متفق عليه) ..
فالعباد الذين يعلم الله منهم الطاعة والإخلاص والقيام بشكر نعمته هم الذين يوفقهم الله لطاعته ومحبته وولايته.