للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: موقف الرفاعي من الاستغاثة بغير الله]

وهذا التأويل لا يفيده كلام الرفاعي من قريب ولا من بعيد، وإنما يقال بأن سبب إنكاره على تلميذه كائن في أنه يعتقد أن ذلك من خصائص الألوهية وأن وصف المخلوق بمثل هذه الصفة شرك. يؤكد ذلك قول الرفاعي: «إذا استعنتم بعباد الله وأوليائه فلا تشهدوا المعونة والإغاثة منهم فإن ذلك شرك». (١)

فهذا النص يفيد بوضوح أن الاستغاثة بالأولياء يعدها الرفاعي من الشرك المنافي للتوحيد، ولذلك اعترض على تلميذه حين وصفه بها.

وزيادة على ذلك فقد كان الرفاعي يرى العكوف على قبور المشايخ والتبرك بها من الوثنية، وسمى القبر في مثل هذه الحالة «صنما».قال: «يا سادة: لا تجعلوا رواقي حرما، ولا قبري بعد موتي صنما، عليكم به سبحانه، لا يضر وينفع ويصل ويقطع ويفرق ويجمع ويعطي ويمنع إلا هو». (٢)

وهذا الكلام موجود في الكتب التي يشدد الرفاعي على صحة نسبتها إلى شيخهم والتي يذكر فيها أن الله يقول: «ما من عبد نزلت به بلية فاعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماء من يديه ووكلته إلى نفسه، وما من عبد نزلت به بلية فاعتصم بي دون خلقي إلا أعطيته قبل أن يسألني» (٣).وأن عيسى صلى الله عليه وسلم قال: «طوبى لعبد سأل الله ولم يسأل إلا الله». (٤) وروي أن بعض الصالحين وقع في بئر، ومرت بجانب البئر قافلة فأراد أن يستغيث فهتف به هاتف «أتستغيث بغيري وأنا غياث المستغيثين؟». (٥) وأن الله تعالى قال لعبد من عباده: «لا تسأل غيري فأمقتك». (٦)

هذا موقف الرفاعي من الاستغاثة بالمشايخ وملازمة قبورهم، وهذا هو موقف كبار أئمة الصوفية وعقلائها أمثال الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى الذي كان يشنع على المستغيثين المستعينين بغير الله فيقول في كتابه (الفتح الرباني): يا من يشكو الخلق مصائبه، إيش ينفعك شكواك إلى الخلق، لا ينفعونك ولا يضرونك، وإذا اعتمدت عليهم وأشركت في باب الحق عز وجل يبعدونك، وفي سخطه يوقعونك ... أنت يا جاهل تدعي العلم، تطلب الخلاص من الشدائد بشكواك الخلق .. ويلك، أما تستحيي أن تطلب من غير الله عز وجل وهو أقرب إليك من غيره». (٧) وقال لولده عند مرض موته: «لا تخف أحدا ولا ترجه، وأوكل الحوائج كلها إلى الله عز وجل واطلبها منه، ولا تثق بأحد سوى الله عز وجل، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه، التوحيد التوحيد، وجماع الكل التوحيد». (٨)


(١) ((البرهان المؤيد)) (ص٧٩).
(٢) ((البرهان المؤيد)) (ص٥٢)، ((حكم الرفاعي)) (ص١٢)، ((الكليات الأحمدية)) (ص١١٥) جمع الصيادي في هذا الكتاب أقوال الرفاعي كلها.
(٣) ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) (ص١٢٤) منسوب إلى الرفاعي رحمه الله.
(٤) ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) (ص٦٨).
(٥) ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) (١٢١ - ١٢٢).
(٦) ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) (ص١٣٤).
(٧) ((الفتح الرباني والفيض الرحماني)) (١١٧ - ١١٨، ١٥٩) ط: دار الكتاب العربي - بيروت.
(٨) ((الفتح الرباني)) (٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>