[المطلب الأول: الرد على الدعوة البابية]
أولا: إن ما تعرض له الباب في حياته السابقة على دعواه يكشف لنا عن الاضطراب العقلي والشذوذ الفكري الذي قد أصيب به الرجل في تلك الفترة كانصرافه عن الدراسة الجادة والتعلم المفيد إلى تعلم تسخير الكواكب كما يزعم ومخاطباتها مما لا يرجع إليه بفائدة لا في دينه ولا دنياه ولا شك أن ذلك عبث لا يذهب إليه إلا من ضعف علقه ودينه.
وقد أثرت فيه تلك الرياضات النفسية والخلوات الصوفية التي كان يعيشها كذلك كجلوسه على سطح المنزل من وقت الظهر إلى العصر في شدة الحر رغم شدة الحرارة في ذلك الوقت وتلك البلدة بصفة خاصة مما عرضه لنوبات عصبية وكاختفائه في أعماق الظلام مع شذاذ آخرين مثله وغير ذلك من الأعمال الصوفية التي قل أن يسلم معها العقل من الفساد والانحراف.
وقد ظهرت على الباب آثار ذلك المسلك الشاذ مبكرا حيث كان يتحدث بكلام شاذ مع السرحان الفكري الذي كان يرى عليه بعد ذلك.
وهذه الحياة البابية تعطينا الدلائل المقنعة أن الرجل قد أصيب في فكره وعقله وذلك هو بعينه ما ذكره العلماء الذين اجتمعوا معه لمناظرته لأنه كان يتكلم بأمور عجيبة وهذيانات غريبة.
وقد زاد في فتنته تلك الشخصية الغربية (كاظم الرشتي) إذ اتصل به ودرس على يديه وقد كان بعد لقائه به في حالة نفسية غير عادية كما شهد زملاؤه ذلك منه بعد مشاركته لهم في الرياضة الصوفية المسماة بالأربعينية.
كل ذلك يؤكد لنا أنه قد أصيب في عقله قبل ظهوره بدعواه تلك.
ثانيا: تدرج الباب في دعواه تلك إذ ادعى أولا أنه الباب إلى الإمام المختفي ثم لم يقف عند ذلك الأمر بل ادعى أنه هو المهدي المنتظر وكان يكفي هذا الكذب المكشوف دليلا على كذبه مع أن قضية الإمام المختفي من أساسها قضية مكذوبة لا يسندها دليل نقلي ولا عقلي وهي لا تسيطر إلا على أدمغة فارغة لا تزال تتوارثها على جهل وبلادة منها وإلا فأي مصلحة للبشر في إمام مختف من منتصف القرن الثالث الهجري إلى اليوم ولم يخرج لإنقاذ المسلمين رغم ما تعرضوا له من فتن داخلية وهجمات خارجية كادت تجتث العالم الإسلامي من أساسه ولا تخفى الحروب التترية والصليبية على أحد وما أحدثته في الأمة الإسلامية إنها فكرة عجيبة تزرى بالعقل البشري الذي يصدقها ويؤمن بها ولقد كانت هذه الضلالة تكأة لكل من أراد حرب هذا الدين أو خلخلة بنائه ولو لم تكن هذه الفكرة قائمة في المجتمع الشيعي لما كانت لذلك الضال ثغرة يخرج منها على عقيدة الأمة وإذا كانت هذه الفكرة من أساسها باطلة فإن دعوة الباب متهافتة من أصلها.
ولم يقف الباب عند دعوى بابيته للمهدي بل ادعى أنه هو المهدي نفسه يا عجبا لهذا الهوس بالأمس أنت الباب واليوم أصبحت المهدي الذي كنت بابا له ويا ليته وقف عند تلك المرحلة من الضلالة ولكنه تدرج إلى دعوى النبوة والاتصال بالسماء بل ونسخ الدين الإسلامي الخاتم للأديان العميق الجذور في نفوس الأمة الإسلامية والتي لا ترضى به بديلا عنه تحويلا لكماله وجلاله ولكونه آخر الرسالات السماوية كما فهمته من كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.
وهذه الدعاوى البابية والتي انتهت إلى ادعاء النبوة وديانة جديدة ما كان لها أن تلقى شيئا من العناية لولا ما يساندها من رعاية الاستعمار لها ورعايته لزعمائها – مع أسباب أخرى ستأتي فيما بعد إن شاء الله – إذ ليس لديها من الأسس ما يمكنها من الظهور والبقاء.