للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: تربية ذليلة]

أنت أسير في قيد الملا والصوفي، أنت لا تأخذ الحياة عن حكمة القرآن، ليس لك بآيات القرآن

شأن، إلا أن تموت بسهولة بسورة يس " إقبال

وضع الصوفية قواعد عامة لتربية مريديهم وكلها تحوم حول الخضوع التام من المريد للشيخ، بحيث يتحول التلميذ المسكين إلى آلة جوفاء تردد ما يقال لها بلا تفكير ولا شخصية مستقلة، بل انقياد أعمى، وحتى تتم هذه التربية الذليلة ألزموهم بلبس معين ومشية معينة وشيخ معين وطريقة معينة. ومن هذه القواعد المتعارفة بينهم:

كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل.

لا تعترض فتنطرد.

من قال لشيخه لِمَ؟ لا يفلح.

من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان.

ومشت الجماهير المغفلة وراء الشيوخ يقبلون الأيدي وينحنون لهم بالتعظيم كلما رأوهم، لا يتكلمون إلا إذا تكلم الشيخ، يصدقون بكل ما يقول، ويحملون له حذاءه وسجادته. وقد فلسفوا كل هذا في كتبهم تحت عنوان (آداب المريد) فقالوا: " ومن الأدب تعظيمه ظاهراً وباطناً، ولا تصاحب له عدواً ولا تعادي له صديقاً، ولا تكتم عنه شيئا مما خطر ببالك (مثل اعترافات النصارى)، ولا تسافر ولا تتزوج إلا بإذنه، وأعظم من هذا قالوا: وحرم على المريدين السؤال لأن الشيخ قد يكون جاهلاً فينفضح (١).

وهذا الأسلوب في تربية الأتباع ليس مستحدثاً بل تكلم عنه القشيري في (رسالته) فقال: " من صحب شيخاً من الشيوخ ثم اعترض عليه بقلبه فقد نقض عهد الصحبة ووجبت عليه التوبة، ثم إن الشيوخ قالوا: حقوق الأستاذين لا توبة منها " (٢).

وقد أدى هذا الأسلوب إلى الغلو في المشايخ، الغلو في الصالحين فالغزالي هو صاحب الصديقية العظمى برأي أبي العباس المرسي (٣)، والشيخ نجم الدين يستحي أن يصلي باتجاه القبلة وخلف الشيخ أبو العباس المرسي (القطب) فأدار وجهه باتجاه القطب!! ولكن أبا العباس كان متواضعاً فقال له: أنا لا أرضي خلاف السنة (٤) فقط خلاف السنة ترك القبلة؟! وقد كان أحمد الشريف السنوسي – من المعاصرين – شديد الاعتقاد بعمه محمد المهدي الذي لا يرى فوق طبقته أحداً إلا سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم " (٥).

وانتقلت عدوى هذه الطريقة في التربية إلى الآباء فربوا أبناءهم على الطاعة العمياء وأجبروهم على عادات معينة فيخرج الطفل شخصية ضعيفة.

ولنا على هذه التربية الملاحظات التالية:

هذه الأساليب في تربية المريدين هي أساليب ماكرة إما لتغطية ما على الشيخ من جهل بالدين وقلة بضاعة في العلم، أو لممارسة أشد أنواع السيطرة على عقول وقلوب الناس وباسم احترام الشيخ. وقولهم (العلم في الصدور لا في السطور) إنما هو صرف للتلاميذ عن كتب الفقه والحديث لأنه إذا قرأ فربما يتفتح عقله – فينتبه لما عند الشيخ من دجل وخرافات.


(١) إن ما أورده أهل السنة من آداب المتعلم بين يدي العالم، واحترام العلماء وتوقيرهم، يختلف عن ذلة الخضوع النفسي عند مريدي الصوفية.
(٢) ((هذه هي الصوفية)) (١٠١).
(٣) ((لطائف المنن)) (٧٧).
(٤) ((لطائف المنن)) (٧٤).
(٥) شكيب أرسلان: ((حاضر العالم الإسلامي)) (٢/ ١٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>