للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يترب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه التربية الخانعة ولكنهم تربوا تربية القيادة والرجولة، فكان أحدهم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَحيٌ هذا أم هو الرأي والمشورة؟ فإن كان الرأي والمشورة أدلى برأيه كما فعل سعد بن معاذ في غزوة الخندق عندما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصالحة قبائل غطفان، وكان صلى الله عليه وسلم بقيادته الحكيمة يستمع لهم ويناقشهم وجوه الرأي ولا يقول لهم: كيف تعترضون علي وأنا سيد الخلق ورسول من رب العالمين؟ ومع حبهم الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يقومون له ولا يقبلون يديه كلما دخل وذلك لمعرفتهم أنه يكره المبالغة في تعظيم البشر، وعقل الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه التربية فكان أول ما تكلم به أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما تولى الخلافة " وإن أسأت فقوموني " ويقول: " أي سماء تظلني وأي ارض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي " والصوفية يقولون: الشيخ يسلم إليه طريقته، وأي طريقة مع الشرع؟ ويكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقادة الجيوش وأمراء الأقاليم: " لا تضربوا أبشار الناس فتذلوهم " ذلك لأن الشعب الذليل لا خير فيه، كما ذكر القرآن الكريم قصة بني إسرائيل عندما كانوا أذلاء تحت حكم فرعون، فلما أراد موسى إخراجهم إلى العزة والكرامة قالوا له: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:٢٤].

وعقل التابعون هذه التربية فكانوا يكرهون " أن توطأ أعقابهم " (١) وهو أن يمشي التلاميذ وراء الشيخ، ويقولون: " إنها فتنة للتابع والمتبوع " (٢)، ولم يعتد الصحابة تقبيل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا وقع فيكون نادراً، وذهب بعض العلماء إلى كراهية تقبيل اليد مطلقاً كالإمام مالك، قال سليمان بن حرب: هي السجدة الصغرى (٣). وعن أنس بن مالك قال: ((قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض؟ قال: لا)) (٤).

أما لماذا تسير هذه الألوف من البلهاء وراء شيوخ الصوفية ربما يكون هروباً من الواقع، ولعلها تصادف متنفساً غير حقيقي لمشاكلهم وأرجح أنه ابتعاد عن التكليف الذي يفرضه الإسلام وخاصة في أوقات الشدة والعسرة، وبعض الناس يصدقون أغرب القصص لمجرد رغبتهم في أن تكون هذه القصص صحيحة والواقع أنها غير صحيحة (٥).

المصدر:الصوفية نشأتها وتطورها لمحمد العبدة، وطارق عبد الحليم


(١) زهير بن حرب: ((كتاب العلم)) (١٤٦) المنشور مع ثلاث رسائل بعنوان الإيمان – تحقيق الألباني.
(٢) زهير بن حرب: ((كتاب العلم)) (ص ١٣٨).
(٣) ((المسائل السجدية)) (٢/ ١٢٣) ط. ١٣٤٤هـ.
(٤) رواه ابن ماجة (٣٧٠٢) وأحمد (١/ ٣٦٦) (١٢١٧) وبنحوه رواه الترمذي (٢٧٢٨) وحسنه الألباني.
(٥) انظر كتاب: ((كيف تفكر))، تعريب منير البعلبكي – ط. دار العلم للملايين.

<<  <  ج: ص:  >  >>