للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: إبطال دعوى الأشاعرة أنهم أكثر الأمة]

لقد تكررت دعوى بعض الأشاعرة بأنهم أكثر الأمة، وأصبح الكثير منهم يتناقلونها في كتبهم ومحاضراتهم، يغرون بها الجهال ممن لا علم لهم بحقيقة الأمر. فقد قال المؤلفان (ص٢٤٨) (١): "ومذهب الأشاعرة ومن وافقهم من أهل السنة الذي عليه سواد الأمة، وأكابر أهل الفضل فيها" اهـ. وقالا (ص ٣١) (٢): "هذا المذهب الذي يدين به تسعة أعشار أمة الإسلام، وسوادها الأعظم وعلماؤها ودهماؤها" اهـ.

ولا ريب أنها دعوى مجردة من الدليل، ويكذبها الواقع التاريخي، ويكفي في إبطالها ما سبق تفصيله في بيان مذهب السلف وطريقهم وبيان مخالفة الأشعرية له، وخروجهم عنه.

وجميع من نقلنا نصوصهم في هذا الكتاب بدءاً من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة رضي الله عنهم، ومن لم ننقل عنهم من السلف، جميعهم مخالفون للأشاعرة في أصول الاعتقاد، ومبطلون لأقوالهم ومذهبهم، فضلاً عمن نقلنا عنهم الطعن في الأشاعرة، والتنصيص على خروجهم عن السنة والطريق.

وحسبك من ذكرهم ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية)، والذهبي في (العلو) من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة والعلماء، ممن نصوا في مسألة علو الله تعالى بنفسه على خلقه بما يخالف مذهب الأشاعرة، وهي واحدة من مسائل الاعتقاد، فكيف إذا أضيف إليهم من نصوا في بقية مسائل الاعتقاد بما يخالف مذهب الأشاعرة؟.

فهل يمكن بعد ذلك أن يدعي أن الأشاعرة هم أكثر الأمة، وهم مخالفون للقرون المفضلة الأولى؟!! وقد ذكر ابن المبرد في كتابه (جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر) أكثر من أربعمائة عالم من بين محدث وفقيه وعابد وإمام، كلهم مجانبون للأشاعرة ذامون لهم، بدءاً من عصر الأشعري وحتى وقته، صدرهم بأبي الحسن البربهاري، وختمهم بجمال الدين يوسف بن محمد المرداوي صاحب كتاب (الإنصاف)، ثم قال بعد ذلك: "والله ثم والله ثم والله ما تركنا أكثر مما ذكرنا، ولو ذهبنا نستقصي ونتتبع كل من جانبهم من يومهم وإلى الآن لزادوا على عشرة آلاف نفس" (٣) اهـ.

بل إن ابن عساكر وهو من خدم الأشعرية بكتابه (تبيين كذب المفتري) قد اعترف بأن أكثر الناس في زمانه وقبل ذلك على غير ما عليه الأشعرية ... فقد قال في التبيين: "فإن قيل: إن الجم الغفير في سائر الأزمان وأكثر العامة في جميع البلدان لا يقتدون بالأشعري ولا يقلدونه، ولا يرون مذهبه، وهم السواد الأعظم، وسبيلهم السبيل الأقوم" (٤) اهـ. وقد قال ابن المبرد معلقاً على كلامه هنا: "وهذا الكلام يدل على صحة ما قلنا، وأنه في ذلك العصر وما قبله كانت الغلبة عليهم، وبعد لم يظهر شأنهم" (٥) اهـ.

وإذا كان أبو الحسن الأشعري إنما ولد سنة ٢٦٠هـ، وقيل: ٢٧٠هـ، فما الذي كانت عليه الأمة قبله؟ أفتراها كانت على عقيدة الأشعري الذي لم يكن شيئاً مذكورا كما يزعم هؤلاء؟!!

أم أن العقيدة كانت خافية عليهم، حتى ظهر أبو الحسن الأشعري فأيقظ الأمة من سباتها؟

فإن قال قائل: إن الأشعري لم يأت بشيء جديد، ولكنه أبان أموراً وأوضحها في رده على المعتزلة حتى كشف عوارهم، وهذا سبب الانتساب إليه، لكونه صار علماً على السنة في مقابل المعتزلة.


(١) يقصد بهما المؤلفان لكتاب ((أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)).
(٢) يقصد بهما المؤلفان لكتاب ((أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)).
(٣) ((جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر)) (ص: ٢٨١).
(٤) ((تبيين كذب المفتري)) (ص: ٣٣١).
(٥) ((جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر)) (ص: ٢٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>