للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: ضرر الفرقة على الفرد المفارق]

لقد جاء النهي الأكيد والتحذير الشديد من الفرقة، كما أن الله عز وجل توعد الساعي في تفريق الأمة، المفارق لجماعتها بالوعيد الشديد مما يلحق به الضرر البالغ، ومن ذلك:

أولا: الوعيد الشديد من الله تعالى لأهل الفرقة

لقد توعد الله سبحانه المفارق للجماعة المسلمة في نصوص عديدة، يقول الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: ١١٥] فمن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالف ما اجتمعت عليه الأمة المحمدية (١)، وخالف طريق المسلمين (٢) فقد عرض نفسه للعقاب الشديد من الله عز وجل في قوله تعالى: نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: ١١٥] أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: ٥] وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا النار يوم القيامة (٣).

وقال الله عز وجل متوعدا المفارقين: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: ١٣] فهؤلاء الذين خالفوا الله ورسوله وساروا في شق وتركوا الشرع والإيمان واتباعه في شق، وشقوا العصا وجعلوها فرقتين ... فهؤلاء توعدهم بقوله: فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ هو الطالب الغائب لمن خالفه وناوأه، لا يفوته شيء ولا يقوم لغضبه شيء تبارك وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه (٤).

ويكفي أهل الفرقة أصحاب البدع وعيدا لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم بريء، وهم منه برءاء. يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الأنعام: ١٥٩] عن الحسن البصري قال: خرج علينا عثمان بن عفان رضي الله عنه يوما يخطبنا، فقطعوا عليه كلامه، فتراموا بالبطحاء، حتى جعلت ما أبصر أديم السماء، قال: وسمعنا صوتا من بعض حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هذا صوت أم المؤمنين، قال: فسمعتها وهي تقول: ألا إن نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب، وتلت: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (٥).وعند الطبري أن أم سلمة قالت: ليتق امرؤ أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، ثم قرأت: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (٦).


(١) انظر ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٥٢٥).
(٢) انظر ((تفسير القرطبي)) (٥/ ٢٤٧).
(٣) انظر ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٥٢٦).
(٤) انظر ((تفسير ابن كثير)) (٢/ ٢٨١) بتصرف.
(٥) انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (ص٤٣)، وأم المؤمنين هنا هي أم سلمة رضي الله عنها يفسره الأثر الذي بعده.
(٦) انظر ((تفسير الطبري)) (٨/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>