للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان هؤلاء المفارقون بريئين من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد منهم بريء توعدهم الله فقال: إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ [الأنعام:١٥٩]. أي: أنا الذي إلي أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعا، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك دونك ودون كل أحد، إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم وفرقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضيل مني عليهم, ويوم القيامة يجازي كلا منهم بما فعله في الدنيا، المحسن منهم بالإحسان، والمسيء بالإساءة كما قال: ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (١).

ثانيا – تسويد الوجوه يوم القيامة

إن الفضيحة أن يأتي أهل الفرقة أصحاب البدع يوم القيامة وقد اسودت وجوههم عقابا لهم لما أحدثوه في دين الله وفرقوا به المسلمين، يقول الله تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران: ١٠٥ – ١٠٦] قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة – قاله ابن عباس رضي الله عنهما" (٢).

ثالثا – أن شذوذه عن الجماعة شذوذ إلى النار هذا ما توعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم المفارق للجماعة، فإن مفارقته هذه وشذوذه عن الصراط المستقيم إنما هو شذوذ إلى النار والعياذ بالله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار)). (٣) بل إن هذا الذي خلع طاعة إمامه، وفارق جماعة المسلمين قد ارتكب إثما عظيما عند الله, ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فمن خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع)) (٤).وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "والله ما فارق رجل الجماعة شبرا إلا فارق الإسلام". (٥)

رابعا – إن المفارق يأتي يوم القيامة ولا حجة لهولا يسأل عنه لسوء حاله، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له)) (٦) وقال: ((ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده)) (٧).


(١) انظر ((تفسير الطبري)) (٨/ ٧٩) بتصرف.
(٢) ((تفسير ابن كثير)) (١/ ٣٩٠).
(٣) رواه الترمذي (٢١٦٧) والحاكم (١/ ٢٠١) (٣٩٧) قال الترمذي غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم استقر الخلاف في إسناد هذا الحديث على المعتمر بن سليمان وله أصل وشواهد، وقال ابن حجر ((إتحاف المهرة)) (٨/ ٩٢٥) ضعيف، وقال الألباني صحيح دون قوله ومن شذ ..
(٤) رواه أبو داود (٤٧٥٨) والترمذي (٢٨٦٣) وأحمد (٥/ ٣٤٤) (٢٢٩٦١) والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي حسن صحيح غريب، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (٨/ ٥٢٧) صحيح، وصححه الألباني.
(٥) ((المصنف)) لابن أبي شيبة (٧/ ٤٥١) و ((السنة)) للخلال (١/ ٨٧)
(٦) رواه مسلم (١٨٥١) عن ابن عمر
(٧) رواه أحمد (٦/ ١٩) (٢٣٩٨٨)، والحاكم (١/ ٢٠٦) (٤١١)، وأبو يعلى (٥/ ١٨٤) (٦٩٠٦) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته ولم يخرجاه ولا أعرف له علة "، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

<<  <  ج: ص:  >  >>