للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع: العصبية القبلية]

كان للعصبية بين قبائل العرب سلطان قوي قبل الإسلام، فلما بزغ نوره أخفت صوتها وأوهن قوتها فسكنت زمنا، ولكنها ظهرت من جديد شيئا فشيئا حتى استحكمت في خلافة عثمان وما بعدها فقد كادت العصبية أن تطل برأسها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنذ بدء خلافة أبي بكر رضي الله عنه؛ فقد أراد أبو سفيان أن يحييها حيث أثارها بين بني هاشم محرضا لهم على عدم الرضا بخلافته وهو ليس بهاشمي وجعلها في علي، كما يحدثنا عن ذلك الطبري – إن صحت الرواية – عن عوانة أنه قال: لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول:" والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم يا آل عبد مناف، فيم أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان؟ علي والعباس، وقال: أبا حسن ابسط يديك حتى أبايعك، فأبى علي عليه، فجعل يتمثل بشعر المتلمس:

ولن يقيم على خسف يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد

هذا على الخسف معكوس برمته ... وذا يشج فلا يبكي له أحد

فزجره علي وقال: إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت الإسلام شراً لا حاجة لنا في نصيحتك (١).

ومن هذا يتبين موقف من مواقف العصبية البغيضة ظهر مبكرا، فلو أن أبا سفيان وجد من يصغي لكلامه ويقبله؛ لكانت شرور وفتن لا تنطفئ إلا بالدماء الجارية كما أرادها أبو سفيان حسب قوله. لقد كان علي إذا أحق بالخلافة حسب قانون العصبية؛ ولهذا فقد استعظم والد أبي بكر أبو قحافة حين سمع بتولية ابنه خليفة فقال: أو رضيت بنو عبد مناف وبنو مخزوم (٢).وفي عهد عثمان رضي الله عنه وجدت العصبية الجو قد تهيأ لقبولها والتأثر بها؛ لأنها وجدت متنفسا في عهده عن كبتها الذي فرضه عليها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، قال الطالبي: وفي عهد عثمان رضي الله عنه وجدت العصبية مرتعا خصبا لما أن كثرت مجالات التنافس على المناصب في الولايات المختلفة وعلى الأموال أيضا (٣).وقد اتهم عثمان رضي الله عنه بتولية أقربائه عصبية لبني أمية حتى كتب إليه مالك الأشتر قائلا له في كتابه: واحبس عنا سعيدك ووليدك ومن يدعو إليه الهوى من أهل بيتك (٤)، وهو اتهام له بالعصبية في تولية هؤلاء الذين ذكرهم الأشتر. ويبدو العنف قوياً في اتهام الخوارج الثائرين لعثمان بتولية قرابته وإيثارهم بذلك حين يقولون له على لسان جبلة بن عمرو: والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه. قال عثمان: أي بطانة؟! فوالله إني لأتخير الناس. فقال: مروان تخيرته، ومعاوية تخيرته، وعبد الله بن عامر بن كريز تخيرته، وعبد الله بن سعد تخيرته! (٥). وكانت هذه الحجة، أي إيثاره قرابته من أشهر حججهم وأقواها عندهم وهي حجة واهية فأي مانع في أن يحب الشخص أقاربه ويدنيهم، ما دام أن ذلك لم يكن فيه محذور.


(١) ((تاريخ الطبري)) (٥/ ٢٠٩).
(٢) ((آراء الخوارج)) (ص٤٧).
(٣) ((آراء الخوارج)) (ص٤٧).
(٤) ((آراء الخوارج)) (ص٤٧).
(٥) ((تاريخ الطبري)) (٤/ ٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>