ومن العجب أنهم مع إقرارهم بأن عمر بن عبد العزيز كان إماما عادلا وأنه أبطل مظالم بني أمية، إلا أنهم ظلوا على خروجهم عليه، وقد كان الأحرى أن يعاونوه على إقامة العدل وإشاعة الأمن بين الناس، فمن أسباب خروجهم عليه في نظرهم أنه لم يقر على آبائه بالكفر ويلعنهم كما طلبوا، وما كان ينبغي أن يكون إحجامه عن لعن آبائه دافعا لهم إلى الخروج عليه، فقد قال عمر لوفدهم الذي يمثله اثنان: أحدهما حبشي والآخر عربي: " أخبراني ما الذي أخرجكم مخرجكم هذا وما نقمتم علينا؟ فتكلم الذي فيه حبشية فقال: والله ما نقمنا عليك في سيرتك وإنك لتجري بالعدل والإحسان، ولكن بيننا وبينك أمر إن أعطيتناه فنحن منك وأنت منا وإن منعتناه فلست منا ولسنا منك. فقال عمر وما هو؟ قال: رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها المظالم وسلكت غير سبيلهم، فإن زعمت أنك على هدى وهم على ضلالة فالعنهم وتبرأ منهم، فهذا الذي يجمع بيننا وبينك أو يفرق. هذا هو موقفهم معه وهو موقف يتسم بغاية التنطع والتمسك بالرأي دون رؤية أو تحر للحق؛ لقد أثبتوا على أنفسهم أنهم لا يعيبون عليه أي شيء في سيرته غير أنهم سيفارقونه إن لم يلعن آباءه، ولو أن هذا الطلب قدم إلى أفسق رجل وأخلع رجل لرفضه؛ ولهذا رد عليهم عمر رحمه الله ردا مفحما، رد رجل عاقل عالم فقد قال لهم: " أرأيتم لعن أهل الذنوب فريضة مفروضة لابد منها؟! فإن كانت كذلك فأخبرني أيها المتكلم متى عهدك بلعن فرعون؟! قال: ما أذكر متى لعنته. قال: ويحك لم لا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق، ويسعني فيما زعمت لعن أهل بيتي والتبرؤ منهم. ويحكم أنتم قوم جهال (١).
وفعلا كانوا كما ذكر، فقد اعترفوا في نهاية المحاورة برجوعهم إلى الحق، وأن الصواب مع عمر رحمه الله، ولئن كان جور الحكام وشيوع المنكرات بين الناس سببا دافعا للخروج فإنهم قد انحرفوا في الاستجابة لهذا السبب ولم يحققوا ما قصدوا إليه، بل زادوا عدد المظالم والمنكرات بأقبح منها وأشنع.
المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص١٠٦