لقد بذل الخوارج في الدفاع عن آرائهم وجعل السيطرة لها على الناس جهدا كبيرا، سواء كان ذلك بقوتهم الحربية أو كان بقوتهم الجدلية، وقد حفلت كتب التاريخ والأدب بذكر مجادلاتهم مع الإمام علي وابن عباس وغيرهما من أعلام المسلمين، كعبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز، ويطول بنا القول لو ذهبنا نذكر أخبار تلك المناظرات والمحاورات التي دارت بينهم وبين خصومهم، وظهر فيها قوتهم في الجدال ولددهم في الخصومة، وذلك لكثرة هذه الأخبار وطول تلك الفترة والمناظرات، وقد سبق أن ذكرنا ما دار بينهم وبين الإمام علي وابن عباس وعمر بن عبد العزيز من مناظرات تتعلق بأسباب خروجهم أو بموقفهم من قضية التحكيم إلى غير ذلك من الموضوعات التي كانت مثار خلاف بين الفريقين.
...... بل لقد كان عقلاء الخوارج ومفكروهم يشكون من كثرة انتشار الجدل بينهم الذي كان سببا مباشرا من أسباب تفرق الخوارج، على نحو ما يصفه الصلت بن مرة بقوله:
قل للمحلين قد قرت عيونكم ... بفرقة القوم والبغضاء والهرب
كنا أناسا على دين فغيرنا طول الجدال وخلط الجد باللعبما كان أغنى رجالا ضل سعيهم عن الجدال وأغناهم عن الخطب (١)
هذه بعض الخصائص الدينية والخلقية والعقلية التي كانت تغلب على الخوارج، والتي كان لها أثرها الواضح في سلوكهم مع أنفسهم ومع بعضهم ومع الأمة والدولة على نحو ما عرضنا هذا السلوك في فصول هذا الباب.
ولو استقامت بهم الوجهة لكان خليقا بهذه الخصائص أن تضع أقدامهم على الطريق الصحيح من العمل إلى الله والدعوة إلى دينه.
المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٤٨