للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثامن: أثر الفلسفة القديمة في الشيعة]

لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية إذا استبعدنا مثل "السبئية" الذين ألهوا علياً ونحوهم؛ لا شك أنها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع ذلك اشتملت آراؤها على أفكار فلسفية أرجعها علماء العراق والغرب إلى مصادرها من المذاهب الفلسفية والدينية السابقة على الإسلام، والحضارة الفارسية التي انتهت بظهور الإسلام. فبعض العلماء الأوروبيين، منهم الأستاذ دروزي؛ يقرون أن (أصل "المذهب الشيعي" نزعة فارسية، إذ إن العرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالملك وبالوراثة في البيت المالك، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة، وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب، فمن أخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان، فقد اغتصب الخلافة من مستحقها، وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى التقديس، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته، وقالوا: إن طاعة الإمام واجب، وطاعته طاعة لله سبحانه تعالى) (١).وقرر بعض العلماء الأوروبيين أن (الشيعة) أخذت من اليهودية أكثر مما أخذت من الفارسية، مستدلاً بأن عبد الله بن سبأ، أول من أظهر الدعوة إلى تقديس علي كان يهودياً، وقرر هؤلاء أنه مع تلك الآثار اليهودية في المذهب الشيعي فالمذهب الشيعي كان مباءة للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها (٢).ولعل هذا القول الذي قرر أن هذا المذهب الشيعي استقى من اليهودية بعض مبادئه، قد استفاده الأوروبيون من أقوال للشعبي وكلام لابن حزم الأندلسي، فقد كان الشعبي يقول عن الشيعة: "إنهم يهود هذه الأمة"، وقال ابن حزم في (الفصل): "سار هؤلاء الشيعة في سبيل اليهود القائلين: إن إلياس عليه السلام، وفنحاس ابن العازار بن هارون عليه السلام أحياء إلى اليوم، وسلك هذا بعض الصوفية، فزعموا أن الخضر وإلياس عليهما السلام حيان إلى الآن" (٣).

وفي الحق، أنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح. ويزكي هذا أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس.

وأما اليهودية فإذا كانت توافق بعض آرائهم، فلأن الفلسفة الشيعية اقتبست من نواح مختلفة، وكان المنزع فارسياً في جملته وإن استندوا إلى أقوال إسلامية.

والشيعة الحاضرون وأكثر المعتدلين ينكرون أن يكون مثل عبد الله بن سبأ منهم، لأنه ليس مسلماً في نظرهم فضلاً عن أن يكون شيعياً، ونحن نوافقهم كل الموافقة.

المصدر:تاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة


(١) [٩٦٨٠] راجع في ذلك ((فجر الإسلام)) الدكتور أحمد أمين.
(٢) [٩٦٨١] ((السيادة العربية)) ٩٩.
(٣) [٩٦٨٢] ((الفصل)) (٤/ ٤/م١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>