للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: حكم الخوارج في أطفال مخالفيهم]

لابد وأن يكون في حكم العقل تمييز بين معاملة الصغير الذي لم يبلغ سن التكليف وبين الكبير المكلف. والخوارج لم يتفقوا على حكم واحد في الأطفال، سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة، ونوجز أهم آرائهم في هذه القضية فيما يلي:

منهم من اعتبرهم في حكم آبائهم المخالفين فاستباح قتلهم باعتبار أنهم مشركون لا عصمة لدمائهم ولا لدماء آبائهم.

ومنهم من جعلهم من أهل الجنة ولم يجوز قتلهم.

واعتبرهم بعضهم خدماً لأهل الجنة

ومنهم من توقف فيهم إلى أن يبلغوا سن التكليف ويتبين حالهم.

والإباضية تولوا أطفال المسلمين وتوقفوا في أطفال المشركين، ومنهم من يلحق أطفال المشركين بأطفال المؤمنين.

أما القول الأول: فهو للأزارقة، واستدلوا بقول الله تعالى: إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح: ٢٧] , وتبعهم في هذا بعض فرق الخوارج كالعجاردة والحمزية والخلفية. وأما القول الثاني: فهو للنجدات والصفرية والميمونية، واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)) (١)، والذين توقفوا في الحكم عليهم قالوا: لم نجد في الأطفال ما يوجب ولايتهم ولا عداوتهم إلى أن يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا به أو ينكروه.

هذه خلاصة أهم آراء الخوارج في هذه القضية، والواقع أن هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء. فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن أطفال المؤمنين إذا ماتوا على الإيمان فإن الله تعالى يدخلهم الجنة من آبائهم وإن نقصت أعمالهم عنهم لتقر أعين آبائهم بهم، فيكونون مع آبائهم في الجنة؛ تفضلاً من الله تعالى، على ضوء قوله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: ٢١] (٢) , ونقل ابن القيم عن الإمام أحمد أنه قال بأنهم في الجنة دون خلاف.

وبعضهم ذهب إلى أنهم تحت المشيئة.

وجدير بالذكر أن أطفال المؤمنين الذين نتحدث عنهم هنا هم الذين يعتبرهم الخوارج أطفال المشركين.

وأما أطفال المشركين الذين هم عبدة الأوثان ومن في حكمهم فإن العلماء اختلفوا فيهم اختلافاً كثيراً.

فذهب بعضهم إلى التوقف في أمرهم فلا يحكم لهم بجنة ولا نار وأمرهم إلى الله.

أنهم في النار.

أنهم في الجنة.

أنهم في منزلة بين المنزلتين، أي الجنة والنار.

أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة، تبعاً لآبائهم حتى ولو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهم لم يحكم لأطفالهما بالنار.

أنهم يمتحنون في عرصات القيامة بطاعة رسول يرسله الله إليهم، فمن أطاعه منهم دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار. وقد استعرض ابن القيم أدلة القائلين بهذه الآراء وانتهى إلى نصرة الرأي الأخير ثم قال: "وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها وتتوافق الأحاديث ويكون معلوم الله الذي أحال عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين)) (٣).


(١) رواه البخاري (١٣٨٥)، ومسلم (٢٦٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) انظر: ((تفسير ابن كثير)) (٤/ ٢٤١)
(٣) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>