للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول: مرجئة الفقهاء بهذا الاسم سماها شيخ الإسلام (١)، وأحيانا يسميهم فقهاء المرجئة (٢)، وهو الاسم الذي يعرف به طائفة من أهل العلم أخطأت في باب الإيمان، فأخرجت العمل منه.

وقد كان وقت ظهور هذا الإرجاء أواخر عصر الصحابة، وموطنه الذي ظهر فيه هو الكوفة، وسبق تبيان ذلك مفصلا. وسبب ظهور هذا الإرجاء أخبر به شيخ الإسلام بقوله: "وكذلك الإرجاء إنما أحدثه قوم قصدهم جعل أهل القبلة كلهم مؤمنين ليسوا كفارا، قابلوا الخوارج والمعتزلة فصاروا طرفا آخر" (٣).ويقول رحمه الله: "وحدثت المرجئة، وكان أكثرهم من الكوفة، ولم يكن أصحاب عبدالله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج والمعتزلة، فقالوا: الأعمال ليست من الإيمان" (٤).ومع أن بدعة هؤلاء تعد أخلف بدع المرجئة، إلا أن أئمة السلف آنذاك كان لهم معها وقفة عظيمة، تمثلت في الإنكار على أهلها، وتغليظ القول فيهم، وتبديع مقالتهم، وردها، وبيان ما تحمله من خطر عظيم على الدين (٥).يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "ثم إن السلف اشتد إنكارهم على هؤلاء، وتبديعهم، وتغليظ القول فيهم" (٦).ويقول: "وأما المرجئة، فليسوا من هذه البدع المعضلة، بل قد دخل في قولهم طوائف من أهل الفقه والعبادة، وما كانوا يعدون إلا من أهل السنة، حتى تغلظ أمرهم بما زادوه من الأقوال المغلظة" (٧).

ويقول: "ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين، ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحدا من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، فإن كثيرا من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سببا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال.


(١) انظر: ((الإيمان)) (ص٣٧٧ - ٣٧٨) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٩٤ - ٣٩٥)؛ وسيأتي قريبا نص كلامه، وتسمية رجالهم، وأول من وقع منهم في هذا الغلط.
(٢) انظر: ((منهاج السنة)) (٥/ ٢٨٨)؛ و ((الفتاوى)) (١٢/ ٤٧١).
(٣) ((الفتاوى)) (١٧/ ٤٤٦).
(٤) ((الفتاوى)) (١٣/ ٣٨).
(٥) انظر: ((الفتاوى)) (٣/ ٣٥٧).
(٦) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٠٧) (ص٣٧٣) ط. ابن الجوزي.
(٧) ((الفتاوى)) (٣/ ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>