للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: التأويل والتفويض]

وبعد أن عرفنا أن مصدر تلقى العقيدة عند الماتريدية في العقليات هو العقل فالعقل حاكم وأصل، والنقل تبع له وفرع له؛ فإذا ورد النقل على خلاف العقل لابد من أن يرد أو يحرف بتأويله وصرفه عن ظاهره، وأما في السمعيات فمصدر تلقي العقيدة عندهم هو النقل.

ولما قسموا هذه القسمة الضيزي، وأصلوا هذا الأصل الفاسد، بنوا عليه موقفهم الفاسد من نصوص الكتاب والسنة الصحيحة المحكمة الصريحة الواردة في صفات الله تعالى، بنوعيها من المتواترات، وأخبار الآحاد. أما المتواترات: كنصوص القرآن الكريم، والسنة المتواترة - فحكموا عليها بأنها وإن كانت قطعية الثبوت، ولكنها ظنية الدلالة؛ لأنها أدلة لفظية، وظواهر ظنية لا تفيد اليقين، وأنها تخالف البراهين القطعية العقلية، وأن الأدلة العقلية براهين قطعية، وعند التعارض تقدم الأدلة العقلية، لأنها الأصل (١).وأن الأدلة السمعية إما أن يفوض فيها، وإما أن تؤول (٢)، وأما البراهين العقلية فتأويلها محال" (٣).

وقد ساق التفتازاني فيلسوف الماتريدية عدة آيات الصفات ثم ذكر قانوناً كلياً في الجواب عن تلك الآيات فقال:"والجواب أنها ظنيات سمعية في معارضة قطعيات عقلية، فيقطع بأنها ليست على ظاهرها، ويفوض العلم بمعانيها إلى الله مع اعتقاد حقيتها جرياً على الطريق الأسلم ... ، أو تؤول تأويلات مناسبة موافقة لما عليه الأدلة العقلية على ما ذكر في كتب التفاسير، وشروح الأحاديث، سلوكاً للطريق الأحكم - يعني طريقة المتكلمين على زعمه الفاسد -" (٤).وقال الجرجاني: " ... ولا يجوز التعويل في إثباته - أي الاستواء- على الظاهر من الآيات والأحاديث مع قيام الاحتمال المذكور، هو أن المراد به الاستيلاء ... " (٥).

وقال: "والحق أنها أي الدلائل النقلية قد تفيد اليقين في الشرعيات، نعم في إفادتها في العقليات نظر".ثم قال: (فلا جرم كانت إفادتها في العقليات محل نظر وتأمل) (٦).

ثم قال: "وقد جزم الإمام الرازي بأنه لا يجوز التمسك بالأدلة النقلية في المسائل العقلية، نعم يجوز التمسك بها في المسائل النقلية".

ولقد ساق الزبيدي نصوص صفتي الاستواء والنزول، وسماها "ظواهر ثم ذكر قانوناً كلياً معروفاً عند الماتريدية وزملائهم الأشعرية في الجواب عن نصوص الصفات فقال:

"وأجيب عنه بجواب إجمالي هو كالمقدمة للأجوبة التفصيلية:


(١) انظر شرح ((المقاصد)) (٢/ ٥٠)، وشرح ((العقائد السلفية)) (ص ٥، ٤٢)، شرح ((المواقف)) (٨/ ٢٤، ١١٠، ١١١)، ((حاشية عبدالحكيم على حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية)) (ص ١٨٤)، و ((حاشية أحمد الجندي على شرح العقائد النسفية)) (ص ١١٠)، ((إشارات المرام)) (ص ١٨٩، ١٩٩)، ((نشر الطوالع)) (ص ٢٢٨)، و ((شرح الإحياء)) (٢/ ١٠٥ - ١٠٦)، و ((النبراس)) (ص ٣٤، ١٨٥، ١٣٧)، و ((براءة الأشعريين)) (ص ٨٠).
(٢) انظر ((البداية من الكفاية)) (ص ٤٨)، شرح ((العقائد النسفية)) (ص ٤٢)، شرح ((المقاصد)) (٢/ ٥٠)، ((عمدة القاري)) (٢٥/ ٨٨، ٩٠، ١٠٩، ١٣٤، ١٣٧، ١٥٩، ١٦٨) و ((المسايرة مع شرح قاسم بن قطلوبغا)) ص (٣٥ - ٣٦)، ((نشر الطوالع)) (ص ٢٢٨، ٢٢٩) ((حاشية أحمد الجندي على شرح العقائد)) (ص ١٠١)، ((شرح الإحياء)) (٢/ ١٠٥ - ١٠٦)، ((النبراس)) (ص ١٨٥ - ١٨٦) ((تبصرة الأدلة)) (ص ٥٤ - ٥٥).
(٣) ((نشر الطوالع)) (ص ٢٨٢).
(٤) ((شرح المقاصد)) (٢/ ٥٠)، وانظر ((شرح العقائد النسفية)) (ص ٤٢)، و ((النبراس)) (ص ١٨٤ - ١٨٥)، و ((براءة الأشعريين)) (ص ٨٠) ((شرح المقاصد)) (٤/ ٥٠)، تحقيق عميرة.
(٥) ((شرح المواقف)) (٨/ ١١٠ - ١١١).
(٦) ((شرح المواقف)) (٢/ ٥٦ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>