للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أن جميع الماتريدية يخالفون المعتزلة في وجوب الصلاح واللطف وغيرها من الأمور التي أوجبها المعتزلة على الله تفريعا على قولهم بالحسن والقبح العقليين.

المصدر:الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد ربيع هادي المدخلي- ص ٩٤

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الناس في مسألة التحسين والتقبيح على ثلاثة أقوال طرفان ووسط:

الطرف الأول: قول من يقول بالحسن والقبح ويجعل ذلك صفات ذاتية للفعل لازمة له ولا يجعل الشرع إلا كاشفا عن تلك الصفات لا سببا لشيء من الصفات فهذا قول المعتزلة وهو ضعيف.

وأما الطرف الآخر في مسألة التحسين والتقبيح فهو قول من يقول إن الأفعال لم تشتمل على صفات هي أحكام ولا على صفات هي علل للأحكام بل القادر أمر بأحد المتماثلين دون الآخر لمحض لا لحكمة ولا لرعاية مصلحة في الخلق والأمر ...

وهذا القول ولوازمه هو أيضا قول ضعيف مخالف للكتاب والسنة ولإجماع السلف والفقهاء مع مخالفته أيضا للمعقول الصريح" ثم قال: "وقد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة أو مفسدة ولو لم يرد الشرع بذلك كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم والظلم يشتمل على فسادهم فهذا النوع هو حسن وقبيح وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقبا في الآخرة إذا لم يرد شرع بذلك وهذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح فإنهم قالوا إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسولا وهذا خلاف النص قال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:٥٩] والنصوص الدالة على أن الله لا يعذب إلا الرسالة كثيرة ترد على من قال من أهل التحسين والتقبيح أن الخلق يعذبون في الأرض بدون رسول أرسل إليهم.

النوع الثاني: أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسنا وإذا نهى عن شيء صار قبيحا واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع. النوع الثالث: أن يأمر الشارع بشيء ليمتحن العبد هل يطيعه أم يعصيه ولا يكون المراد فعل المأمور به كما أمر إبراهيم بذبح ابنه فلما أسلما وتله للجبين حصل المقصود ففداه بالذبح وكذلك حديث أبرص وأقرع وأعمى لما بعث إليهم من سألهم الصدقة فلما أجاب الأعمى "قال الملك: أمسك عليك مالك فإنما ابتليتم فرضي عنك وسخط على صاحبيك" (١).فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان وأن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة وهو الصواب " (٢).

فإطلاق القول في مسألة التحسين والتقبيح بأنهما عقليان أو شرعيان غير صحيح والحق والصواب في المسألة هو التفصيل كما بينه ووضحه شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه المتقدم.

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص ١٥٢ - ١٥٤


(١) رواه البخاري (٢٠٥٢).
(٢) ((الفتاوى)) (٨/ ٤٣٢ - ٤٣٦)، وانظر ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (١٦٥، ١٦٦)، ((منهاج السنة)) ت محمد رشاد سالم (١/ ٤٤٨ - ٤٥١)، ((الرد على المنطقيين)) (٤٢٢)، ((الفتاوى)) (١٧/ ١٩٨ - ٢٠٥)، ((مدارج السالكين)) (١/ ٢٣٠) وما بعدها، (٣/ ٤٩١)، ((مفتاح دار السعادة)) (٣٦٧) وما بعدها، ((الصواعق المرسلة)) (٤٩٥)، ((لوامع الأنوار البهية)) (١/ ٢٨٤)، ((إيثار الحق)) (٣٧٧)، ((العلم الشامخ)) (١٠٩) وما بعدها ((جلاء العينين)) (٢٤٧)، ((الحكمة والتعليل في أفعال الله)) المدخلي (٧٨ - ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>