للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الحادي عشر: حول إرجاء الحسن بن محمد بن الحنفية]

المراد بالإرجاء المتقدم ذكره هو الذي ظهر على يد جماعة من فقهاء الكوفة، وقد عرف بهم، حيث سمي إرجاء الفقهاء، وسمي أهله مرجئة الفقهاء، إذ الأمة لم تكن تعرف قبل ظهوره كلاما في الإيمان مخالفا لما عليه السلف إلا ما كان على طريقة الخوارج والمعتزلة، وهو الغلو والإفراط في مفهوم الإيمان والإسلام حتى حكموا بالكفر على من هو داخل في دائرة الإسلام، أما التساهل والتفريط في ذلك، وإخراج ركن من أركان الإيمان عنه، وهو العمل، وفتح الباب لمقالات ضالة كفرية تنادي بتضييع الإيمان الذي جاءت به الشرائع، وجعله أماني، فلم يقع إلا على أيدي هذه الفئة من الفقهاء، وهم الذين كثر كلام السلف في ذم مقالتهم، والتحذير منها، وتبديع قائلها. يقول شيخ الإسلام: "وحدثت المرجئة، وكان أكثرهم من الكوفة، ولم يكن أصحاب عبدالله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - من المرجئة، ولا إبراهيم النخعي وأمثاله، فصاروا نقيض الخوارج والمعتزلة، فقالوا: الأعمال ليست من الإيمان" (١).وقد نص شيخ الإسلام رحمه الله على أن الخوض في هذه المرحلة من هذه الطائفة متعلق بالإيمان، إذ يقول: "وحدثت أيضا بدعة المرجئة في الإيمان" (٢).

وأما أوائل رجال هذه المرحلة والذين ارتبط بهم نشأة هذا النوع من الإرجاء، فقط سمي شيخ الإسلام طائفة منهم، وهم:

ذر بن عبدالله الهمذاني، وحماد بن أبي سليمان، وسالم الأفطس، وطلق بن حبيب، وإبراهيم التيمي.

وأول من قال به من هؤلاء عند شيخ الإسلام هو حماد بن أبي سليمان. يقول رحمه الله: "الإرجاء في أهل الكوفة كان أولا فيهم أكثر، وكان أول من قاله حماد بن أبي سليمان" (٣).ويقول: "لكن حماد بن أبي سليمان خالف سلفه، واتبعه من اتبعه، ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة ومن بعدهم" (٤).

ولكن شيخ الإسلام نفسه نقل عن بعض السلف ما يفيد أن أول قائل بالإرجاء هو الحسن بن محمد بن الحنفية، فقد قال رضي رحمه الله:"قال: أيوب السختياني: أنا أكبر من دين المرجئة، إن أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل المدينة من بني هاشم يقال له: الحسن (٥).

وقال: زاذان: أتينا الحسن بن محمد، فقلنا: ما هذا الكتاب الذي وضعت؟ وكان هو الذي أخرج كتاب المرجئة. فقال لي: يا أبا عمر لوددت أني كنت مت قبل أن أخرج هذا الكتاب، أو أضع هذا الكتاب (٦) " (٧).وقد ذكر شيخ الإسلام أن الحسن "قد وضع كتابا في الإرجاء، نقيض قول المعتزلة، ذكر هذا غير واحد من أهل العلم" (٨).

فثمة كتاب كتبه الحسن نقيض قول المعتزلة، وحقيقة هذا المكتوب تنجلي من خلال النظر في سيرة الحسن، فقد جاء فيها أنه كان في حلقة، فتكلموا في علي وعثمان وطلحة والزبير، وأكثروا، والحسن ساكت، ثم تكلم، فقال:


(١) ((الفتاوى)) (١٣/ ٣٨).
(٢) ((النبوات)) (٢/ ٥٧٧).
(٣) ((الإيمان)) (ص٢٩٥) ((الفتاوى)) (٧/ ٣١١)، وانظر منه، (ص٢٨١) ((الفتاوى)) (٧/ ٢٩٧).
(٤) ((الإيمان الأوسط))، ضمن: ((الفتاوى)) (٧/ ٥٠٧) (ص٣٧٣ط). ابن الجوزي.
(٥) رواه ((ابن بطة في الإبانة الكبرى)) (٢/ ٩٠٣ رقم ١٢٦٦)؛ واللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (٥/ ١٠٠٣ رقم ١٨٤٤).
(٦) رواه: عبدالله في ((السنة)) (١/ ٣٢٤ - ٣٢٥) رقن ٦٦٥؛ والخلال في ((السنة)) (٤/ ١٣٦ - ١٣٧) رقم ١٣٥٨؛ و ((ابن بطة في الإبانة الكبرى)) (٢/ ٩٠٤) (رقم ١٢٦٨).
(٧) ((الإيمان)) (ص٣٧٨) ((الفتاوى)) (٧/ ٣٩٥).
(٨) ((منهاج السنة)) (٨/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>