للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد سمعت مقالتكم، ولم أر شيئاً أمثل من أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير، فلا يتولوا، ولا يتبرأ منهم. ثم قام، فما لبث أن كتب الرسالة التي ثبت فيها الإرجاء بعد ذلك (١).

وهذا نقل لبعد ما جاء في رسالة الحسن، لمعرفة حقيقة الإرجاء عنده، فقال قال - عفا الله عنه-:

"أما بعد: فإنا نوصيكم بتقوى الله، ونحثكم على أمره، ونرضى لكم طاعته، ونسخط لكم معصيته، وإن الله أنزل الكتاب بعلمه فأحكمه، وفصله وأعزه، وحفظه أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه"، ثم ذكر كلاما طويلا، ثم قال:

"فمن أراد أن يسائلنا عن أمرنا ورأينا، فإنا قوم: الله ربنا، والإسلام ديننا، والقرآن إمامنا، ومحمد نبينا، إليه نسند، ونضيف أمرنا إلى الله ورسوله.

ونرضى من أئمتنا بأبي بكر وعمر، ونرضى أن يطاعا، ونسخط أن يعصيا، ونعادي لهما من عاداهما، ونرجئ منهم أهل الفرقة الأول.

ونجاهد في أبي بكر وعمر الولاية، فإن أبا بكر وعمر لم تقتتل فيهما الأمة، ولم تختلف فيهما، ولم يشك في أمرهما، (ونرجئ من بعدهما ممن دخل في الفتنة، فنكل أمرهم إلى الله).

وإنما الإرجاء ممن عاب الرجال، ولم يشهده، ثم عاب علينا الإرجاء من الأمة، وقال متى كان الإرجاء؟ قلنا: كان على عهد موسى نبي الله إذ قال له فرعون: قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى [طه: ٥١]، قال موسى وهو ينزل عليه الوحي حتى قال: قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى [طه: ٥٢]، فلم يعنف بمثل حجة موسى"، ثم استمر في كلام طويل (٢).

وكما هو ظاهر أن من مضمون الكتاب حديث عما جرى بين الصحابة بعد الفتنة بقتل عثمان - رضوان الله عليهم أجمعين -، والحسن هنا يكشف عن رأيه في ذلك، وأنه يرجئ أمر من دخل في الفتنة إلى الله.

فهو إذن إرجاء متعلق بالصحابة - رضوان الله عليهم -، لا الإرجاء المتعارف عليه، المتعلق بالإيمان وحقيقته، وعلامة العمل به.

وبهذا يتبين خبر كتاب الحسن، ويتضح مراد شيخ الإسلام بأنه نقيض قول المعتزلة.


(١) انظر: ((تهذيب الكمال في أسماء الرجال))، للحافظ المزي، تحقيق بشار عواد، مؤسسة الرسالة بيروت (٦/ ٣٢١)؛ و ((تاريخ الإسلام حوادث وفيات)) (٨١ - ١٠٠هـ)، (ص ٣٣٢).
(٢) ((الإيمان))، للعدني، (ص١٤٧ - ١٤٨ رقم٨٠)؛ و ((تاريخ الإسلام)) "حوادث٨١ - ١٠٠" (ص٣٣٣ - ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>