تاسعا: دعوتهم إلى اعتزال المجتمع ووفقاً لتصورهم القاصر وفهمهم السقيم للعلاقة بين الدين والعلم، وجهت جماعة الهجرة اتباعها إلى هجرة المعاهد والمدارس والجامعات والوظائف الحكومية تحقيقاً لهذا المفهوم الساذج عن العلم والتعليم، وتطبيقاً لفكرتهم عن الهجرة وعزلة الناس ومفاصلة المجتمع بمؤسساته ونظمه. إذ أن هذه الجماعة، كما سبق أن أشرنا – تزعم أنها جماعة المسلمين الوحيدة وأن من عداهم ليسوا بمسلمين، ومن ثم اتخذوا موقفاً تجاه المجتمع بأسره وأعلنوا المفاصلة التامة بينهم وبين مجتمع المسلمين الذي وصفوه بالجاهلية والكفر ... واعتزلوا مؤسساته التعليمية ودور العبادة فيه، ويقول زعيمهم شكري مبرراً ظاهرة منع اتباعه من دخول الجامعات والمدارس والمعاهد "أنني أقول للطاغوت أنا لا أشكل عقبة في خطتك فقط بحجبى النساء عن الجامعات والمدارس، أقول للطاغوت ها انذا أريحك من مشاكل تعليمهم وانتقالاتهم، وهجرتي لا تشكل خطراً انقلابياً عليك، واساهم بذلك في تخفيف مشاكل الإسكان. وبترك الوظائف اريحك من المرتبات التي تدفع لنا"(١).
وفكرت هذه الجماعة في أن تعتزل المجتمع ويسكن أفرادها في قرى منعزلة في الصحراء بعيداً عن المجتمع الجاهلي كي يعبدوا الله وحده حتى تتيسر لهم الهجرة إلى أرض الله الواسعة فراراً من سلطان الجاهلية"، فلجئوا إلى الكهوف والجبال والمغارات، وامتنعوا عن التزاوج من أفراد المجتمع المسلم، وقالوا: أن الله تعالى حرم علينا نكاح المشركات – حاشا أهل الكتاب، ولما كانت النساء اللائى هن خارج جماعة المسلمين وفرقتهم متوقفاً فيهن، فقد وجب التوقف عن الزواج منهن وتحريمه لاحتمال كونهن مشركات، واستشهدوا لموقفهم هذا ببعض الآيات القرآنية التي فسروها تفسيراً خاصاً لكي توافق مذهبهم وأهواءهم.
المصدر:دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين - الخوارج والشيعة – أحمد محمد أحمد جلي/ ص ١٣٧
(١) ((ذكرياتي مع جماعة المسلمين)) (ص: ٨٤)، و ((الحكم وقضية تكفير المسلم)) (ص: ٣٠٧).