للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب التاسع: مقام الخمر والسُكر

وكعادة السرهندي يعتذر عن مثل هذه الأقوال بأنها حصلت في حالة سكر الولي وغياب عقله. وهو عذر أقبح من ذنب. ويتغنون بمقام السكر والخمر ومدح المخمورين. (١) فيقولون كما ذكر الكردي:

فيا حادي العشاق قم واحْدُ قائما ... ودندن لنا باسم الحبيب وروحنا

وصُن في سرنا سُكرنا عن حسودنا ... وإن أنكرت عيناك شيئًا فسامحنا

فإنا إذا طبنا وطابت قلوبنا ... وخامرنا خمر الغرام تهتكنا

فلا تلم السكران في حال سكره ... فقد رفع التكليف في سكرنا عنا

وسلم لنا فيما ادعيناه إنا ... إذا غلبت أشواقنا ربما بحنا

وقد اعترف السرهندي كبير النقشبنديين صدور فظائع الكلام من مشايخ الطريقة النقشبندية، كقولهم بأن الولي أفضل من النبي وقول الواحد منهم أنا الحق وسبحاني ما أعظم شأني. ولكنه بررها فقال «وما وقع في عبارات مدح الكفر والترغيب في شد الزنار فمصروف عن الظاهر المتبادر فإنهم معذورون بغلبة السكر في ارتكاب هذه المحظورات» (٢)

السرهندي يعتبر الإنسان على صورة الله

واعتبر السرهندي أن الإنسان نسخة جامعة من عالم الإمكان بطريق الحقيقة، ومن طريق الوجوب بطريق الصورة أن الله خلق آدم على صورته.

قال: فالله خلق آدم على صورته وهو منزه عن الشبيه والمثلية:

فكذلك خلق الله روح آدم التي هي خلاصته على صورة لا شبيهة ولا مثلية.

وكما أن الحق سبحانه لا مكاني: فكذلك الروح لا مكانية.

ونسبة الروح إلى العالم كنسبة الله تعالى: لا داخلة في العالم ولا خارجة عنه ولا متصلة به ولا منفصلة عنه ... وانتهى إلى أن خلق العالم يدل على أصله.

وصرح بأن كمالات الإنسان مستفادة من كمالات الرب ومن هنا ورد أن الله خلق آدم على صورته ومعنى من عرف نفسه عرف ربه.

فلا جرم كان الإنسان خليفة الرحمن ولا عجب: فإن صورة الشيء خليفة الشيء. وما لم يُخلق على صورة شيء لا يليق بخلافه شيء (٣).

ووصف القلب بالعرش المجيد وأنه لو ألقي عرش الرحمن وما فيه في زاوية من قلب العارف لما أحس به صاحبه لأن القلب جامع للعناصر والأفلاك والعرش والكرسي ... بل لصار العرش مضمحلا ومتلاشيا، ومن هذا القبيل كلام بعض المشايخ الذين صدر عنهم وقت غلبة السكر كقولهم: إن الجمع المحمدي أجمع من الجمع الإلهي» (٤).

وللتعريف بمعنى الشهود عند النقشبندية يقرر صاحب الرشحات أن للشهود معنيين: أحدهما: شهود الذات المبرأة عن الظهور في لباس المظاهر. يفسر الكوثري ذلك أكثر بما نقله عن الإمام الرباني في مكتوباته أن الكمال في «التوحيد الوجودي: ظهور أن العبد والرب: رب» (٥).

ولهذا يقسم النقشبنديون التوحيد إلى قسمين: ١ - توحيد وجودي: بمعنى أن تؤمن أنه لا موجود إلا واحد وهو الله. وأن كل ما سواه معدوم. قاله السرهندي. أضاف: ومثل هذا التوحيد قول الحسين بن منصور الحلاج: أنا الحق، وقول أبي يزيد: سبحاني ما أعظم شأني (٦).

٢ - توحيد شهودي: أن لا تشاهد في الكون إلا الله.

وإذا كان ما سوى الله معدوما وهو كالظل، لا وجود حقيقي له ففعل ما سوى الله أيضا ليس فعلا حقيقيا وإنما هو فعل الله في الحقيقة.


(١) ((تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب)) (ص٤٩٢).
(٢) ((مكتوبات الإمام الرباني)) السرهندي (ص ٣٣) وكذلك (ص١١٤).
(٣) ((مكتوبات الإمام الرباني)) السرهندي (ص٣٧٣) وكذلك (ص٣٢٦) حول النص الذي قبله.
(٤) المكتوبات الربانية المسماة ب ((المكتوبات الشريفة)) (ص ١٠٠) وانظر (ص٢٣٦) ط: دار الكتب العلمية.
(٥) ((إرغام المريد شرح نظم العتيد لتوسل المريد برجال الطريقة النقشبندية)) (ص٧١).
(٦) ((مكتوبات الإمام الرباني)) المسمى ب ((المكتوبات الربانية)) (ص ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>