فهم يتسترون بالإسلام وبقراءة القرآن وبالصلاة والصيام، ويظهرون حب آل البيت والعفاف والزهد وترك الدنيا والإعراض عن الشهوات، ويأمرون بالصدق والأمانة والمعروف، وفي حقيقة الأمر هم على خلاف ذلك؛ إذ يبطنون الكفر والزندقة والتعطيل وبغض الأنبياء والرسل، ويميلون إلى المجون والخلاعة والانغماس في اللذات والشهوات.
وفي كل ذلك قد أوثقوا أمورهم بالسرية، وبأخذ الأيمان والعهود على من أجابهم بكتمان ما يبوحون له به من أسرارهم، ولا يكشفون أمرهم إلا بالتدرج على قدر طمعهم في الشخص.
- الاستدراج والحيلة:
إنهم يتصلون بالناس سراً، وينقلونهم عن الإسلام بالحِيَل والأيمان الخادعة، ويستدرجونهم إلى مذهبهم من حيث يوافق رأيه لا يشعرون شيئاً فشيئاً، ويخاطبون كل فريق بما يوافق رأيه بعد أن يظفروا منه بالانقياد لهم والموالاة لإمامهم؛ إذ يوصون دعاتهم فيقولون للداعية: إذا وجدت من تدعوه فاجعل التشيع دينك، وادخل عليه من جهة ظلم الأمة لعلي، وقتلهم الحسين وسبيهم لأهله، والتبرئ من تيم وعدي وبني أمية وبني العباس، وقل بالرجعة، وأن علياً يعلم الغيب. فإذا تمكنت منه أوقفته على مثالب علي وولده، ثم بينت له بطلان ما عليه أهل ملة محمد وغيره من الرسل.
وإن كان يهودياً فادخل عليه من جهة انتظار المسيح، وأن المسيح هو محمد بن إسماعيل بن جعفر؛ وهو المهدي، واطعن في النصارى والمسلمين، وإن كان نصرانياً فاعكس، وإن كان صابئياً فتعظيم الكواكب، وإن كان مجوسياً فتعظيم النار والنور، وإن وجدت فيلسوفاً فهم عمدتنا؛ لأننا نتفق وهم على إبطال النواميس والأنبياء، وعلى قدم العالم.
ومن رأيته زيدياً أو إمامياً فأظهر له بغض أبي بكر وعمر، ثم أظهر له العفاف والتقشف وترك الدنيا والإعراض عن الشهوات، ومر بالصدق والأمانة، فإذا استقر عنده ذلك فاذكر له ثلب أبي بكر وعمر، وإن كان سنياً فاعكس، وإن كان مائلاً إلى المجون والخلاعة فقرِّر عنده أن العبادة بَلَهٌ والورع حماقة، وإنما الفطنة في اتباع اللذة وقضاء الوطر من الدنيا الفانية.
- خداع الناس:
وقد اتخذوا التظاهر بحب آل البيت والتستر بالتشيع وسيلة للتحايل على الناس وخداعهم أثناء دعوتهم لهم.
ومن أساليبهم في خداع الناس اتخاذ الدين مطية لبلوغ أهدافهم، واستغلال ظروف الناس المعيشية المتدنية وعواطفهم الملتهبة للإصلاح برفع شعارات براقة؛ فعندما ثار القرامطة سنة ٣١٥هـ كانت لهم أعلام بيض مكتوب عليها: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص: ٥].
المصدر:القرامطة في الخليج العربي مقال لمحمد أمحزون