وقد يستحبون من له صوت طيب بالقرآن، فإذا قرأ تكلم داعيهم ووعظ، وقدح في السلاطين، وعلماء الزمان، وجهال العامة، ويقول: الفرج منتظر ببركة آل الرسول صلى الله عليه وسلم. وربما قال: إن الله عز وجل في كلماته أسرار لا يطلع عليها إلا من اجتباه. ومن مذاهبهم أنهم لا يتكلمون مع عالم بل مع الجهال، ويجتهدون في تزلزل العقائد بإلقاء المتشابه وكل ما لا يظهر للعقول معناه، فيقولون: ما معنى الاغتسال من المني دون البول؟ ولم كانت أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة؟ وقوله: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر: ٣٠]!! ضاقت القافية؟ ما بطن هذا إلا لفائدة لا يفهمها كثير من الناس. ويقولون لم كانت السماوات سبعا؟ ثم يشوقون إلى جواب هذه الأشياء: فإن سكت السائل سكتوا، وإن ألح قالوا: عليك العهد والميثاق على كتمان هذا السر، فإنه الدر الثمين. فيأخذون عليه العهود والميثاق على كتمان هذا، ويقولون في الأيمان:"وكل مالك صدقة، وكل امرأة لك طالق ثلاثا إن أخبرت بذلك". ثم يخبرونه ببعض الشيء ويقولون: هذا لا يعلمه إلا آل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقولون: هذا الظاهر له باطن، وفلان يعتقد ما نقول ولكنه يستره – ويذكرون له بعض الأفاضل، ولكنه ببلد بعيد
المصدر:القرامطة لابن الجوزي – ص ٥١
اتخذ القرامطة كل وسيلة يمكن أن تجمع الناس حولهم وسواء أكانت الوسيلة شريفة أم غير ذلك فالأمر واحد بل ربما كانت الوسائل الخبيثة هي التي أفادوا منها أكثر من غيرها إذ أن الوسط الذي نمت فيه حركتهم تلائمه تلك الوسائل فالغاية عندهم تبرر الواسطة كما أن النفوس قد جبلت على حب المصالح والرغبة في المحظورات فقد حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وأهم تلك الوسائل:
١ـ الزهد: أظهر القرامطة في بداية أمرهم الزهد حتى يقبل الناس عليهم فالدين أكثر ما يحرك النفوس والمجتمع الذي وجدوا فيه لا يخضع إلا لمن عرف بتقواه ولكن إذا ما دان لهم أتباعهم ووثقوا بهم أخضعوهم لمرحلة بعد مرحلة حتى إذا وصلوا إلى المرحلة الأخيرة رفعوا عنهم التكاليف الشرعية وأعلنوا لهم أن هذه التكاليف إنما وضعت وفرضت على المغفلين وقد عد الباحثون تسع مراحل يخضع لها أتباع القرامطة حتى يصلوا إلى كل ما يريده منهم زعماء هذه الحركة.