المطلب الأول: الطاوية (منتشرة في الصين) نسبة إلى (طاو)، وقبل عصر كونفوشيوس (حوالي القرن الرابع قبل الميلاد)، كانت هذه الكلمة تعني (الطريق وأسلوب العمل) (١)، واستعملها كونفوشيوس بمعنى (الطريق الصحيح للعمل).
أما الطاويون فقد صارت عندهم ذات مفهوم واحد؛ يعني: الأشياء في مجموعها، أو ما يطلق عليه وحدويو الغرب اسم المطلق، وهو ما يطلق عليه متصوفة المسلمين اسم الوجود.
والنصوص المنقولة هنا تُعزى لشخص مقدس معاصر لكونفوشيوس، اسمه (لاو تزو)، أي: الأستاذ لاو، يقال: إنه مؤسس الطاوية، وهذه النصوص من كتابهم المقدس كتاب (لاو تزو)، يقول: الطاو مَثَلُها كوعاء، رغم أنه فارغ، يمكن أن يُسْحب منه بلا نهاية، وليس في حاجة قط لأن يُملأ، وهي عظيمة جداً، وبالغة العمق، حتى ليبدو أنها أقدم من كافة الأشياء، إذا ما انغمس فيها أحد طرف صار ناعماً، وأصعب مشكلة تحل، وأقوى ضوء ساطع ينتشر، وأشد المشكلات تعقيداً تستحيل إلى أمور بسيطة، إنها في سكونها كالخلود نفسه، إنني لا أعرف وليدة من هي. اهـ.
- في هذا النص، يُعرِّفنا الأستاذ لاو ما هي الطاو، ويُلاحظ أن وصفها يشبه أن يكون وصفاً لله تعالى، لكنه وصف فيه شذوذ وتجرؤ وتشبيه، وهذا نابع من ثقافتهم وتصوراتهم.
ويقول: يأتي إلى الوجود عشرة آلاف شيء، وقد شهدتها تعود، لا يهم كيف تنتعش انتعاشاً بالغاً، كل شيء يجب أن يعود إلى أصله الذي صدر عنه، هذه العودة إلى الأصل تسمى الهدوء، هي تحقيق لمصير فرد، وأن يُحقق كل شخص مصيره لهو النمط الأبدي، وإذا عرفت النمط الأبدي فهو محصَّن من كل ناحية، والمحصَّن من كل ناحية هو عادل تماماً، وإذا كان عادلاً، فهو مَلِكٌ، ومن كان مَلِكاً فهو كالسماء، وإذا كان كالسماء فهو متمشٍّ مع الطاو، وإذا كان متمشياً مع الطاو فهو مثلها لا يفنى، وبرغم أن جسده قد يختفي في خضم محيط الوجود، فهو بعيد عن كل أذى ... اهـ.
- يشرح (لاو تزو) في هذا النص وحدة الوجود، وكيف أن الأشياء تصدر عن ذات الطاو ثم تعود إليه، ويلاحظ أنه يستعمل كلمة (الهدوء) والتي يقابلها عند متصوفة المسلمين كلمة (الفناء). ولنلاحظ عبارة: (وقد شهدتها تعود)، والتي لا تعني إلا أنه شهدها بالكشف.
ويقول: الكلمات الصادقة لا تكون منمقة، والكلمات المنمقة لا تكون صادقة، والرجل الصالح لا يجادل، وأولئك الذين يجادلون ليسوا بصالحين، والحكماء ليسوا بعلماء، والعلماء ليسوا بحكماء، إذا ما توقفنا عن العلم لا يواجهنا المزيد من المشاكل ... تخلوا عن الحكمة وتخلصوا من الفطنة، وسيصبح الناس أحسن حالاً مائة مرة. اهـ.
- بين (لاو تزو) هنا أن حقيقتهم لا يمكن أن يُبَرْهن عليها بالأساليب الجدلية، والكلمات المنمقة، وأنها تشرح بالكلمات الصادقة البسيطة، والملحوظةالهامة هنا هي الأمر بالجهل! لأن الجهل جزء أساسي من رسالة الإشراق في كل زمان ومكان.
ويقول: هو لا يغادر داره قط، ومع ذلك فهو عالم بالعالَم بأسره، ولا يُطلُّ من نافذته، ومع ذلك يسبر غور طريق السماء، وفي الحقيقة كلما سافر الإنسان إلى مكان أبعد، كان أقل إدراكاً، وهكذا يعرف الحكيم دون أن يتحرى، ولا يفعل شيئا ومع ذلك ينجز كل شيء.
... لهذا السبب يرتدي الحكيم رداءً من قماش خشن يُخفي ما هو أثمن من أنفس درة داخل فؤاده ...
هذا ما يسمى الاستغراق الخفي، مَن خَبِرَهُ لا يمكن أن يعامل على أنه مُقَرَّب أو مزجور، لا يمكن أن يعان أو يضار، لا يمكن أن يمجد أو يحط من قدره، ولهذا يحتل المكان الأول بين كافة الكائنات البشرية في العالم. اهـ.
في هذا النص يقدم (لاو تزو) صورة خاطفة للجذبة التي يسميها الاستغراق الخفي ولكشفها الذي يجعل الحكيم عالماً وهو لم يغادر داره، بل ولا غرفته، بل ولم يطل من نافذته ..
والتماثل الكامل بين الطاوية والصوفية واضح، حتى لقد دفع هذا الوضوح أحد الباحثين لأن يقرر أن التصوف عند المسلمين هو امتداد للطاوية، وطبعاً؛ لا بد من وجود فروق يقتضيها اختلاف الظروف.
المصدر:الكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف القاسم - ص٧٥٧ - ٧٥٩
(١) يلاحظ أن كلمة (الطريقة) تحمل نفس معنى كلمة (طاو)، مع التنبيه إلى أن كلمة (طاو) هي كلمة صينية وليست عربية، وأن الكلام هنا عن أمر حدث في الصين، مع ملحوظة أخرى قد يكون لها أهمية، وهي أن المصريين القدماء كانوا يطلقون على مصر اسم (طاو)، فهل هناك علاقة بين (طاو) التي هي مصر وبين الطاولة، كما أن هناك الوادي المقدس (طوى)؟ فهل من علاقة تاريخية وجغرافية نُسيت؟.