للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: المعتزلة في عصر البويهيين]

قامت دولة بني بويه في عام ٣٣٤هـ في بلاد فارس، وكان مؤسسها علي بن بويه وأخواه من الديلم سكان جنوب غرب بحر قزوين، وقد انتشر الإسلام بينهم على يد داعية شيعي وهو الحسن بن علي الأطروش فنشأوا نشأة الرافضة وتبنوا فكرهم في إبان دولتهم، فكانت دولة رافضية وإن أبقت على علاقتها الظاهرة بخلفاء العباسيين السنيين لأغراض سياسية. وقد ظهرت العلاقة قوية بين الرافضة والمعتزلة في ظل هذه الدولة إلا أن تلك العلاقة كانت لها إرهاصات سابقة فأبو علي الجبائي (م٣٠٣هـ) – والذي عده ابن المرتضى في الطبقة الثامنة للمعتزلة – قد رد على كتاب عباد في تضليل أبي بكر، بينما سكت عن كتاب الإسكافي المسمى (المعيار والموازنة) في تفضيل علي على أبي بكر (١)، والإسكافي (م٢٤٠هـ) من رؤوس المعتزلة وهو واضع ذلك الكتاب قبل الجبائي بزمن. وقد سبق أن ذكرنا أن المأمون كان فيه تشيع وأن ثمامة بن أشرس (م٣٤٢هـ) أوعز إليه بلعن معاوية على المنابر. بل إن مصادر الشيعة والمعتزلة تذكر أن واصلا وعمرو بن عبيد قد أخذا عن عبد الله بن محمد وعبد الله أخذ عن محمد بن الحنفية (٢)، وبالطبع فرواية نسبة الاعتزال إلى محمد بن الحنفية غير صحيحة ولكنها تبقى شاهدة على الأثر المتبادل بين الفكر الشيعي والاعتزال. كذلك فقد روى الشهرستاني ما يؤكد هذا الأثر عندما ذكر أن زيد بن علي بن الحسين "تتلمد لواصل بن عطاء الغزال الألثغ رأس المعتزلة ورئيسهم. . وصارت أصحابه كلهم معتزلة" (٣).ومن أظهر ما كان من علاقة الرافضة بالبويهيين والمعتزلة هو تعيين القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره قاضيا لقضاة الري عام ٣٦٠هـ والذي ولاه هو الصاحب بن عباد وزير مؤيد الدولة البويهي، يقول ابن المرتضى – الرافضي المعتزلي – صاحب المنية والأمل عنه: "وإليه انتهت الرياسة في المعتزلة حتى صار شيخها وعالمها غير مدافع" (٤).وكان الصاحب بن عباد يقول فيه: "إنه أفضل أهل الأرض" (٥) والصاحب هذا كان من الروافض المعتزلة، يقول فيه الذهبي: "وكان شيعيا معتزليا مبتدعا" (٦). ويقول المقريزي: "إن مذهب الاعتزال فشا تحت ظل الدولة البويهية في العراق وخراسان وما وراء النهر".وقد عدد ابن المرتضى في طبقات المعتزلة العديد من الرافضة المعتزلة في ذلك العهد منهم الشريف المرتضى الذي عده في الطبقة الثانية عشر (٧) وقد قال عنه الذهبي: "وكان من الأذكياء الأولياء! المتبحرين في الكلام والاعتزال والأدب والشعر لكنه إمامي جلد" (٨)، كذلك عد من الطبقة الحادية عشرة أبا عبد الله الداعي، ويحيى بن محمد العلوي وقال عنه: "وكان إماميا" (٩).

وبهذا فقد ارتفع شأن الاعتزال مرة أخرى على أيدي الراوفض وفي ظل الدولة الرافضية البويهية.

المطلب الخامس: انحلال الاعتزال كفرقة وذوبانها في الفرق الأخرى

منذ بدأ التزاوج بين الرفض والاعتزال، بدأت معالم ذوبان الاعتزال في التشيع، فالرافضة قد تأثروا بمناهج الفكر الاعتزالي بشكل قوي، فنقلوه وهضموه خاصة في مسائل الصفات والقدر، كذلك في محاولتهم الإيهام بتعظيم دور العقل، رغم أن أصل مذهبهم يقوم على أمور غير معقولة – كالإمام الغائب الذي ينتظرون رجعته كل ليلة! – وكذلك تبني المعتزلة تدريجيا فكر الشيعة المنحرف ليضمنوا القوة والاستمرار في ظل دول الرافضة فذاب الاعتزال في التشيع وانتهت المعتزلة كفرقة مستقلة منذ ذلك الحين – والحمد لله تعالى – كذلك فإن طريقة العرض الاعتزالية قد عاشت من خلال المنهج الأشعري، فالأشاعرة رغم خلافهم للمعتزلة إلا أنهم تابعوهم في طرق بحثهم ومنهاج تفكيرهم فكان ذلك امتدادا للنهج الكلامي الاعتزالي حتى يومنا هذا.

المصدر:المعتزلة بين القديم والحديث لمحمد العبده وطارق عبد الحليم – ص ١١٤


(١) ((المنية والأمل)) (١٧٣).
(٢) ((طبقات المعتزلة)) (١٨).
(٣) ((الملل والنحل)) (٢/ ١٥٥).
(٤) ((المنية والأمل)) (١٩٤).
(٥) ((المنية والأمل)) (١١).
(٦) ((سير أعلام النبلاء)) (١٦/ ٥١٢).
(٧) ((المنية والأمل)) (١٩٨).
(٨) ((سير أعلام النبلاء)) (١٧/ ٥٨٩).
(٩) ((المنية والأمل)) (١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>